-

عدد القراءات: 1034
عبدالله فراج الشريف – جريدة المدينة
 

إذا كانت حقوق الإنسان احتاجت في العالم إلى وثائق عالمية يتفق عليها وتلتزم الدول بصيانتها، وتضمنها تشريعاتها المحلية، فإن الإسلام أقر سائرها في كتابه «القرآن العظيم» وسنة سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الأولى بأمتنا المسلمة أن تسبق سائر الأمم في استخلاصها من نصوص هذا الدين الحنيف، وتصدر بها وثيقة واضحة شفافة، تلتزم بها كل الدول المسلمة وتطبقها في واقع الحياة، ولكن الذي حدث غير هذا، فالتنظير سائد بأن الإسلام قد أقر هذه الحقوق قبل أن تفكر الأمم الأخرى فيها، وكثر الافتخار بذلك، وصدرت هنا وهناك دراسات عنها، وأصدرت بعض الدول الإسلامية مواثيق بها، وضمنتها بعض الدول دساتيرها وقوانينها، وتبحث عن تطبيق في أرض الواقع فلا تجد غالبًا سوى هذا التنظير، كما أن سائر الدول العربية والمسلمة اتخذت صورة الدولة الحديثة بسلطاتها الثلاث «التشريعية والقضائية والتنفيذية» وأصدرت دساتير ونظمًا، وقد يضاهي بعضها ما هو معمول به في الدول المتقدمة، وأنشأت البرلمانات، وأصدرت النظم القضائية وتراتب التقاضي عبر درجات المحاكم، وحددت سلطات السلطة التنفيذية، ولكن الصورة غالبًا غير التطبيق.

إن صيانة حقوق الإنسان هو مقتضى العدل الذي جاء الإسلام لتحقيقه للخلق، فما أرسل الرسل ولا نزلت الكتب إلا من أجل ذلك، وانتهاكها أشد أنواع الظلم قسوة، وهو محرم في الإسلام وعقوباته في الدنيا والآخرة أشد العقوبات، وأولى الأمم قاطبة باحترام حقوق الإنسان عمليًا هي الأمة المسلمة، التي جاءت تشريعات دينها لتحفظ للناس الضرورات الخمس «الدين والعقل، والنفس، والعرض ومن ضمنه النسل، والمال» وهي الكليات التي تقوم بها الحياة وتنتظم، والتي تجد لحفظها من جانب السلب أي من ناحية عدم الاعتداء عليها نظم العقوبات كله في الفقه الإسلامي، وتجد لحفظها من جانب الإيجاب غالب النصوص الشرعية الداعية إلى مبادئ الإسلام المثلى، ووثيقة حقوق الإنسان العالمية المسماة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادرة بقرار الجمعية العامة رقم 217 ألف د-3 والمؤرخة في 10/12/1948م قد وقعت عليها جل دولنا الإسلامية، ولم تر فيها ما يخالف الشريعة إلا أجزاء يسيرة من مادتين، تحفظت عليها حكومة بلادنا عند توقيعها على الإعلان وهما الفقرة الأولى من المادة السادسة عشرة والتي تنص على «حق الرجل والمرأة متى ما أدركا سن البلوغ في التزوج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين» وسبب الاعتراض أن للتزوج بغير المسلمة أو المسلم قيودًا في تشريعنا الإسلامي لا يمكن تجاوزها، وجزء من المادة الثامنة عشرة التي منطوقها كالتالي «لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده»، وموطن الاعتراض اشتمال هذا الحق على الحرية في تغيير الدين، والتي تعارضها نصوص شرعية واجبة الإتباع، وباقي المواد مقبولة من الجميع، وقد التزمنا بها مع سائر دول العالم، فالحديث اليوم عن تنظير لحقوق الإنسان في الإسلام وقد أشبعت بحثا، وتقرر حقوقا واجبة الصيانة وتعاقب على انتهاكها لون ترفٍ لا نحتاجه في هذا العصر، ونحن نسيح في الأرض ونرى كيف تُحترم حقوق الإنسان في دول لا تدين بالإسلام، ونراها تنتهك في دول مسلمة وليس لها اعتبار، فإلى متى يظل المسلمون يوالون التنظير دون تطبيق..

إن أمتنا في حاجة ماسة في هذه المرحلة من حياة الشعوب العربية والمسلمة لتطبيق حقيقي للتشريعات المهمة في كافة المجالات، خاصة في مجالات الحريات العامة وحقوق الإنسان، وبعزم وحزم من أجل توفير حياة أفضل تستحقها الشعوب الإسلامية، فهل نفعل؟ هو ما أرجو والله ولي التوفيق..

المصدر: جريدة المدينة 28 جماد الآخر 1433هـ الموافق 19 مايو 2012م

المصدر : -