كل يوم معنفة !
-
لا يكاد يمر شهر إلا ونسمع بحادثة تعنيف بشعة ما بين امرأة أو طفل معنّف! وهذا لا يصل إلينا إلا بعد أن يتسرّب الخبر للإعلام بصعوبة كبيرة؛ نظرا لقيود الثقافة المحلية والعادات السيئة التي تحمي القوي في الغالب! أتساءل عن كم هي تلك الحوادث التي لا ندري ولا نسمع عنها؟ متأكدا أن العدد أضعاف مضاعفة، خاصة إذا ذهبنا إلى المدن الصغيرة والأماكن النائية التي تبعد كثيرا عن أعين الرقابة والإعلام!
رأينا الأسبوع الفائت تلك الطفلة المسكينة في الربيع الخامس من عمرها، والتي قتلها والدها بكسر في الجمجمة وآخر في اليد، وآثار حروق وكدمات في الجسم – حسب تقرير العربية -، ولا أدري هل تستحق كل هذا العنف تلك الطفلة المسكينة! نعوذ بالله من القسوة والظلم!
يتساءل الكثير، وطالما كتب فيه المثقفون: أين النظام الذي يحفظ حقوق الضعفاء من نساء وأطفال وخادمات ومعاقين وغيرهم؟
يتعرض هؤلاء إلى الظلم كثيرا، ويتكرر الأمر ونكتفي بمجرد معالجات فردية فقط! وهذا لا يعالج شيئا، حيث الواقع يحتاج إلى نظام يحفظ حقوق هؤلاء ويحُد من وقوع مثل هذه التصرفات قبل تفاقم الأمور.
كم من طفل أو امرأة بقيا حبيسي الظلم بسبب مرض الزوج أو الوالد النفسي، أو بسبب تشدّده، أو لمرضه العقلي أو غير ذلك. كما قد يقع خطأ من طفل أو امرأة، ويأتي العقاب بالقتل أو التعنيف! وربما لم يقع خطأ ولكن لشبهة أو وسواس قهري! المهم، أن الجهات المسؤولة مطالبة بحفظ حقوق هؤلاء وحمايتهم من مثل هذه الحوادث المتكررة.
بنظرة سريعة على قوانين حماية المرأة والطفل من العنف الأسري في الولايات المتحدة، حيث وجدت العديد من القوانين التي تحمي المرأة – تحديدا كمثال – من جوانب مختلفة، حيث يوجد قانون العنف ضد المرأة the Violence Against Women Act of وقد عُدّل أكثر مرة بسبب بعض النقاط الخلافية بين المشرّعين، إلا أنه اعتمد مؤخرا، وهو في الأصل جزء من قانون التحكم في جريمة العنف وقانون التنفيذ the Violent Crime Control and law Enforcement Act of 1994 وهو قانون فيدرالي يمكن تطبيقه في أي ولاية داخل أميركا. ويفرض هذا القانون تعويضا إجباريا على مرتكب جريمة العنف، حتى لو تنازل الضحية، كما أنه أنشِئ مكتب للعنف ضد المرأة تابع لوزارة العدل بناء على هذا القانون ويكون مختصا بهذا الشأن ومراقبته.
كما يوجد قانون آخر للحد من العنف العائلي وخدماتهFamily Violence Prevention and Services وأسس هذا القانون خط اتصال ساخن يعمل على مدار الساعة لاستقبال المكالمات والشكاوى وتقديم الدعم والمعلومات لمن يحتاجها، كما نظّم الكثير من الأشياء لغرض الحدّ من العنف. وهناك قانون الطرق ـ بمعنى الشوارع الآمنة للمرأة ـThe Safe Streets for Women Act فرض عقوبات فيدرالية للإساءات الجنسية وتعويضات إلزامية لتعزيز الأمن للنساء في الطرقات. وقانون آخر لتوفير البيوت الآمنة للنساءThe Safe Homes for Women Act لأجل توفير ملاجئ آمنة لمن تتعرض للإيذاء أو الاعتداء.
لم أحاول استقصاء القوانين في هذا الصدد، كما أنني لم أتعرض إلى القوانين الخاصة بالأطفال كي لا أطيل على القارئ. كما أن هذا لا يعني عدم وجود مشاكل في أميركا، ولكن يوجد لديهم حلول ويسعون بشكل جادّ نحو الحدّ من وقوع جرائم كهذه، وبشكل حضاري من خلال قوانين يلتزم بها الكل، وتساهم بحل المشاكل بشكل مستمر وفعال وليس بأساليب فردية واجتهادية تفتقد للفعالية الحقيقية على أرض الواقع!
في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي فلا تظالموا..”، ويقول عليه الصلاة والسلام موصيا أصحابه: “رفقاً بالقوارير”، وقد أمرنا الإسلام بالإحسان والعدل مع كل شيء حتى الحيوان! فلماذا لا نبادر بوضع أنظمة لحماية المرأة والطفل من العنف الأسري المتكرر؟ يؤسفني أن البعض لا يفهم هذا الكلام إلا مقلوباً! ولا يتبادر إلى ذهنه إلا الجوانب السيئة التي يسمع عنها في الغرب أو الشرق، وليتنا نترك السوء ونأخذ ما ينفعنا، وإلا فإن الكل يتحمل مسؤولية هذا العنف، وسوف لن يرحمه التاريخ في وقوفه مع الظلم ضد العدل، ومع الفوضى ضد القانون، وسوف يسجلها التاريخ عليه إن وقف يوما ضد العدل مهما كان المبرر أو الشبهة التي لديه!
نسمع أنه يُناقش نظام في مجلس الشورى منذ سنوات! ولم يرَ النور حتى الآن للأسف، والكثير يعتقد أنه سيبقى حبيس الأدراج حتى تقوم الوزارات المختصة بدورها، وأهمها وزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية. كما أتمنى أن يكون النظام مستوفيا متطلبات الحاجة، وأن يستفيد من تجارب الآخرين في هذا المجال، وسوف نعدّ الأيام وأرجو ألا تكون سنوات حتى يخرج هذا النظام!
المصدر: جريدة الوطن 2 محرم 1434هـ الموافق 16 نوفمبر 2012م
المصدر : -