-

عدد القراءات: 1142
عبد الله العلمي – جريدة الاقتصادية
 

يقول أليكس مارشال محرر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة: إن المرأة تتوقع تمييزا ضدها من المهد إلى اللحد. تحدثت في الجزء الأول من المقال عن احتفال العالم في الخامس والعشرين من هذا الشهر (نوفمبر) بالمناسبة السنوية لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وعن تعرض النساء والأطفال للعنف جسدياً وجنسياً ونفسياً. كما ذكرت بإيجاز مشروع نظام الحماية من الإيذاء في السعودية والتقرير السابع للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وطرق الحد من العنف ضد المرأة والطفل.

في كل عام نستل أقلامنا من غمدها وننادي بضرورة أن تنال ظاهرة العنف ضد المرأة والطفل اهتماماً عالمياً ونناشد دول العالم أن تسن القوانين والتشريعات لحماية المرأة والطفل من جميع أشكال العنف. ليس هذا فحسب، بل إن منهاج العمل الدولي للمؤتمر العالمي للمرأة أكد “ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه، ودراسة أسباب ونتائج هذا العنف وفاعلية التدابير الوقائية لمنعه نهائياً”. لكن – مع الأسف – أكثر من نصف الدول العربية لا تضمن الحماية الفاعلة للمرأة، أما تلك التي لديها محاكم ذات الاختصاص فهي بالكاد تنصف المرأة والطفل من الأعمال التمييزية المشينة لدرجة أن العنف ضد النساء والأطفال ما زال شائعا على نحو وبائي. ولو نظرنا إلى العالم ككل، فإن ظاهرة العنف ضد المرأة – مع الأسف – قد تبدو طبيعية ربما لكونها أنثى أو أنه يراد لها أن تكون مكسورة الجناح وقاصرة.

ما زالت تقارير الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف) تؤكد أن العالم لم يحقق تقدما كبيرا نحو خفض معدلات العنف المنزلي وما زال العنف الممارس ضد النساء والفتيات يضرب بجذوره في كل الثقافات.

وفي كل عام نطرح الحلول الواحد تلو الآخر، طالبنا بضمان إجراء تحقيقات في حوادث العنف المنزلي والعائلي ومعاقبة مرتكبيها، طالبنا بنبذ فكرة التعذيب واستبدالها بترويض العقول الخشبية وصقلها حتى نصل لدرجة المساواة في حقوق المرأة والرجل لمنع العنف ضد النساء. وها نحن نطالب للمرة المليون بأن تحقق الشرطة في الاعتداءات التي تبلغ المرأة عن تعرضها لها وألا نقترف الخطأ مرتين بإقناعها بالعودة إلى منزلها لمواجهة المزيد من العنف. عندما تعود المعنفة إلى بيتها فإننا نرتكب جريمة بحقها إذا لم يتم إصلاح وترويض المُعَنِف.

طالبنا ونجدد المطالبة بأن نرسي أركان التكافل الاجتماعي. العنف العائلي يا سادة يدخل ضمن تهديد حرية الإنسان وكرامته، وبالتالي حقوقه كإنسان. طالبنا بالوقف الفوري لضرب وإهانة الزوجة والأطفال وعدم قبول أي تبرير من قبل الزوج الفحل أو تحميل الذنب للمرأة. طالبنا بتحسين الوضع المعيشي العام حتى لا يلعب العامل الاقتصادي دوراً ما في انتشار مظاهر العنف في إطار الأسرة. طالبنا بتصحيح مفهوم أن المرأة خلقت أساساً من ضلع أعوج، وأن نفهم التفسير الصحيح لكونها “ناقصة عقل ودين”.

طالبنا بوضع برامج واقعية وهادفة لمكافحة العنف ضد المرأة والطفل، ولا مانع من الاستعانة بالمنظمات الدولية الاجتماعية المختصة لمساعدتنا على تأسيس هذه البرامج. رسم “السياسات والآليات” لرعاية النساء وتأسيس المراكز لحماية وتأهيل النساء والفتيات ضحايا العنف وإعداد الدراسات لمعرفة الدوافع الحقيقية للعنف والإيذاء حلول جيدة ولكنها غير كافية. لا بد من سن الإجراءات القانونية الصارمة في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة والطفل بشكل حاسم وواضح وصريح. لا بد من مراجعة شاملة وشفافة لجميع القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق المرأة والطفل. لا بد من إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة وحمايتها، وإجراء التعديلات اللازمة التي تكفل المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة.

ليس عيباً أن تدار حلقات توعية وتدريب للعاملين في أجهزة الدولة المعنيين مثل الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والقضاة بكيفية التعامل مع حالات العنف ضد المرأة. ليس عيباً أن ندمج مبدأ ضرورة احترام المرأة في مناهجنا الدراسية عوضاً عن السخرية منها أو الالتزام صماً بكماً بما ورد من بعض الفتاوى الإقصائية التي لا تمت للأديان السماوية أو المنطق بصلة.

وللطفل حكاية أخرى. تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى تعرض ما بين 500 مليون و1.5 مليار طفل للعنف سنوياً، كما أن ما بين 20 في المائة و65 في المائة من الأطفال الذين في سن المدرسة يتعرضون للتحرش اللفظي أو البدني ويتعرض طفلان من بين كل ثلاثة أطفال للعقوبة البدنية. معظم العنف ضد الأطفال يرتكبه أشخاص يعرفهم الطفل وربما يثق بهم.

أما المؤلم أكثر فهو تعرض بعض فئات الأطفال بصفة خاصة للعنف مثل الأطفال المعوقين والأطفال الذين ينتمون إلى فئات الأقليات والأطفال الذين يقيمون في الشوارع والأطفال المشردين والنازحين. في السعودية، سجل برنامج الأمان الأسري خلال عام ونصف حتى شباط (فبراير) 2012 أكثر من 615 حالة إيذاء للأطفال.

من هذا المنطلق، أدعو لتأسيس مركز متخصص للقضاء على العنف يعتمد على أسس الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة على مستوى العالم العربي. أرحب بجميع آراء القانونيين والأكاديميين والمختصين في علوم النفس والاجتماع والإعلام. رحب بالفكرة الكاتب السعودي جمال بنون، والإعلاميتان دلال عزيز ضياء وهناء الركابي، والإعلامية اللبنانية رانيا برغوث، والناشط الموريتاني أحمد ولد مصطفى والناشطة الجزائرية ياسمين دوراري، والكاتب المسرحي الأردني عبد الحليم المحارمة، والصحافية المصرية مروة مرعي والعشرات غيرهم.

أعلم من تجاربي السابقة أن تأسيس مؤسسات المجتمع المدني تصطدم بالبيروقراطية وأمور أخرى، لكن القافلة ستستمر لتحقيق أهدافها.

 

المصدر : جريدة الاقتصادية 9 محرم 1434هـ الموافق 23 نوفمبر 2012م

المصدر : -