-

عدد القراءات: 1162
د. عبد العزيز بن عثمان الفالح – جريدة الرياض
 

    الحق مصلحة تثبت لإنسان، أو لشخص طبيعي أو اعتباري أو لجهة على أخرى ولا يعتبر الحق حقاً إلا إذا قرره الشرع أو القانون والنظام والتشريع، وبالتالي يكون الحق مصلحة ومنفعة قُررت شرعاً، ينتفع بها صاحبها ويتمتع بمزاياها ومن ثم تكون واجباً والتزاماً على جهة أو اخر يؤديها، وقد يكون الحق مقرراً أو ثابتا بنظام أو قانون معين أو تشريع خاص أو إعلان دولي أو اتفاقية ثنائية دولية، فحقوق الإنسان إذاً جميع المصالح المادية والمعنوية التي يستحقها الإنسان شرعاً وعقلاً، وتسعى لحفظ مصالحه الكبرى، دينه، ونفسه، وعقله، ونسله، وماله، وهي مجموعة الاحتياجات أو المطالب التي يلزم توافرها في مجتمع ما، دون أي تمييز سواء لاعتبارات الجنس أو اللون، وقد عنيت الأمم بوضع ثوابت ونواميس وقوانين وأطر تحكم تصرفات وأفعال وأقوال أفرادها لتصبح تلك الثوابت والقوانين حقوقا للإنسان لاحتياجه لها بفطرته وطبيعته فلا يمكنه التعايش مع غيره مالم يكن هناك ثوابت يسير وفقها وعلى نهجها كثابت العدل والمساواة والشورى، ومن هنا برزت أهمية الدولة ووجبت إقامتها لتنهض بالمجتمع الإنساني أولا ولتقيم العدل والمساواة وإنفاذ الشورى ثانيا حيث ان للدولة سلطانا مطلقا، فهي التي تصدر الحقوق والواجبات حسب دستورها والمصلحة التي تراها وتراعي الحقوق للأفراد وتلزمهم بالواجبات. وسوف اتناول ثابت العدل في هذه المساحة على ان آتي على بقية الثوابت في مقالاتٍ لاحقةٍ ان شاء الله تعالى، لكون ثابت العدل من اهم مبادئ حقوق الانسان تقوم عليه اركان الدولة وبه يصلح شأنها وتقوى شوكتها ويعلو عزها وتحترم كلمتها ويزدهر اقتصادها ويسود قضاؤها ويأمن مجتمعها وتقوى لحمتها ، ولتحقيق العدل الذي هو الأصل الجامع للحقوق والتي تواطأت على حسنه الشرائع الالهية والعقول الحكيمة فلابد من اعطاء الحق لصاحبه بحيث يُمكّن من اخذه بيده او يد نائبه وتعيينه له قولا وفعلا وهذا ما يرنو اليه الإسلام في قوله تعالى (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) لكونه اساس حقوق الانسان وركنه الركين. وحين قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله لتوحيد البلاد والقلوب على كلمة سواء تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله اتخذ من القرآن دستورا ومن سنة محمد صلى الله عليه وسلم منهجا وطريقا اذ حثا على احقاق الحق والعدل والمساواة والتشاور في الامر فاتخذ من ذلك منهج حكم واسلوب حياة وقال كلمته ذات الاثر والتأثير في مجلس الشورى عام 1343 ه ( لا كبير عندي الا الضعيف، حتى اخذ الحق له، ولا ضعيف عندي الا الظالم، حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حقوق الله هوادة ولا يقبل فيها شفاعة) من هنا اصبح العدل ثابتا واساسا ومبدأ راسخا يقوم عليه الحكم في المملكة العربية السعودية، وتوج ذلك بصدور النظام الاساسي للحكم حيث اكدت المادة الاولى منه(ان دستور المملكة العربية السعودية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) وجاء في مادته الثامنة ( يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على اساس العدل – الشورى – المساواة وفق الشريعة الاسلامية ) ويستلزم ذلك استقلال القضاء فانفردت المملكة العربية السعودية بنظام قضائي مستقل ومنبثق ومستمد من دستورها كتاب الله وسنة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – واعدت وسائل معينة لتحقيق هذا الثابت ومنها النظام الاساسي للحكم، المحاكم الشرعية، ديوان المظالم، وزارة العدل، هيئة مكافحة الفساد وهيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة الرقابة وهيئة حقوق الانسان. وذلك لتحقيق خطاب الملك المؤسس المغفور له ان شاء الله الملك عبدالعزيز في اول اعلان لمجلس الشورى في مكة المكرمة (ان مصدر التشريع والاحكام لا يكون الا من كتاب الله وما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام أو ما أقره علماء الاسلام الاعلام بطريق القياس او اجمعوا عليه مما ليس في كتاب ولا سنة فلا يحل ّ في هذه الديار الا ما احله الله ولا يحرم منها غير ما حرمه)، فاكد النظام الاساسي للحكم تحقيق العدالة للإنسان اذ جاء فيه (تحمي الدولة حقوق الانسان وفق الشريعة الاسلامية( ولذا صدر تنظيم هيئة حقوق الانسان بموجب القرار ذي الرقم 207 وتاريخ 8/8/1426 ه والذي جاء بالمادة الاولى منه تُنشأ بموجب هذا التنظيم هيئة تسمى هيئة حقوق الانسان ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء تهدف الى حماية حقوق الانسان وتعزيزها وفقا لمعايير حقوق الانسان الدولية في جميع المجالات ونشر الوعي بها والاسهام في تطبيق ذلك في ضوء احكام الشريعة الاسلامية ومن هنا حملت هيئة حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية على عاتقها هذا الهم اذ تسعى الى ترسيخه وتفعيله وتعمل مع شقيقاتها الهيئات والمؤسسات والوزارات ذات العلاقة لبناء الانسان فكرا وروحا، من اجل ذلك تسعى الهيئة ممثلة برئاستها ومجلسها الى كل ما من شأنه تنفيذ الجهات الحكومية للأنظمة واللوائح فيما يتعلق بحقوق الانسان والكشف عن التجاوزات ومتابعة تلك الجهات لتطبيق ما يخصها من الصكوك الدولية لحقوق الانسان وزيارة السجون ودور التوقيف ورفع تقارير عنها بشكل دوري وتلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الانسان مع الاهتمام بوضع سياسة واستراتيجية لتنمية الوعي بحقوق الانسان واقتراح سبل العمل على نشر ثقافة حقوقه والتوعية بها، وبناءً عليه عقدت الهيئة جلسات وندوات وورش عمل مع الجهات ذات العلاقة للتوعية بالحق الانساني والتعريف بها لتحقيق رسالة الهيئة الرامية الى حماية حقوق الانسان ونشر الوعي بها من خلال رؤيتها ذات التميز في نشر ثقافة حقوقية. ووضعت خطط استراتيجية لنشرها تنفيذا لتوجيه خادم الحرمين ذي الرقم 8628/م ب وتاريخ24/10/1430 ه المتعلق بنشر ثقافة حقوق الانسان والراميةُ الى تنمية الوعي بحقوق الانسان في ضوء احكام الشريعة الاسلامية، التعريف بالأساليب والوسائل التي تساعد على حماية حقوق الانسان، التعريف بالأنظمة والتعليمات والاجراءات المطبقة في الجهات الحكومية لحماية حقوق الانسان، التنبيه الى خطورة انتهاكات حقوق الانسان والتحذير منها.

إضاءة:

(أعاهد الله ثم أعاهدكم أن يكون شغلي الشاغل: إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين).

خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز

المصدر : جريدة الرياض 26 محرم 1434 هـ الموافق 10 ديسمبر 2012م

المصدر : -