محمد بن علي الهرفي - جريدة عكاظ

عدد القراءات: 1214

أهالي منطقة الأحساء، الذين يزيد عددهم على مليون ونصف المليون، ما زالوا يتوجسون شرا من مرض كورونا الذي فتك بعدد منهم في بضعة أيام، ونقل عددا آخر إلى المستشفيات تحت رحمة الله!! ولم يتوقف الأمر عند ساكني منطقة الأحساء، بل إن الإشاعات المرعبة تجاوزتهم إلى الدول المجاورة، فضلا عن مدن المملكة القريبة. وبحسب جريدة «اليوم»، فإن نسبة إشغال الفنادق والشقق المفروشة انخفضت إلى 20%؛ لأن السياح القادمين من الخليج امتنعوا عن زيارة الأحساء خوفا من أن يصيبهم مرض «كورونا».

لم يتوقف خطر الإشاعات عند سكان الخليج، بل سكان الأحساء أنفسهم ــ وأنا أعيش بينهم ــ امتنع الكثير منهم عن زيارة المرضى خوفا من العدوى، كما أن الهلع وصل إلى المدارس، فأصبح الطالب أو الطالبة الذي يصاب بالسعال أو الحرارة مصدر خطر على الجميع ــ هكذا يظنون، ويبتعد عنه معظم زملائه، بل أساتذته ــ أحياناــ هذا إذا لم يطلب منه مغادرة المدرسة فورا!!

الجهل بطبيعة المرض، والجهل ــ أيضا ــ بأعراضه ومسبباته، كان مصدر كل ذلك الخوف الذي أصاب المجتمع الأحسائي، ومرة أخرى ــ بحسب «اليوم» ــ فإن أحد محرريها تواصل مع عشرين مدرسة بالأحساء للاستطلاع حول استعدادهم لهذا المرض فيما لو كان أحد الطلاب مصابا به، فأجمع الجميع أنهم لا يعرفون شيئا عنه!! ولنا أن نتخيل كيف أن مجتمعا تعليميا يجهل تماما أي شيء عن مرض قاتل وقد يصيب أحدهم في أي وقت!! وأتساءل: على من تقع المسؤولية؟، ولماذا لم تقم جهات الاختصاص بواجباتها؟! سمو أمير المنطقة الشرقية ترأس اجتماعا قبل بضعة أيام في الدمام لمناقشة تداعيات مرض «كورونا»، وحضره عدد من المسئولين ذوي الاختصاص، وأكد مدير الشؤون الصحية أن كل شيء مطمئن.

وزارة الصحة ــ وهي جهة اختصاص ــ كانت شبه غائبة عن المشهد، وكانت ترسل ــ عن بعد ــ إشارات تطمينية، وكأن كل شيء على ما يرام، بينما كان المواطنون يعيشون واقعا آخر، ربما لا تعلم عنه الوزارة شيئا!!

عقدت الوزارة اجتماعا بعد أيام من انتشار المرض وموت البعض، ترأسه نائب الوزير، وقيل إن هذا المؤتمر أتى من منطلق الشفافية التي تعتمدها وزارة الصحة!! لا أدري عن إي شفافية يتحدثون؟!، ربما لهم شفافية لا يعرفها سواهم! على أي حال، كانت نتيجة الشفافية تلك أن الوضع بصفة عامة مطمئن!، وأن الوزارة أرسلت فريقا متكاملا لدعم المنطقة ومراجعة جميع الحالات!.. بطبيعة الحال، لا ندري ماذا فعل الفريق، ولا كيف تم دعم المنطقة ولا بماذا !!، لكن الذي قيل: إن الوزارة أرسلت معقمات لبعض المستشفيات وأمروا بتنظيفها، وقيل أيضا: إن العاملين في تلك المستشفيات لم يعرفوا سبب هذا الاهتمام المفاجئ.

اللافت للنظر تصريحات بعض مسؤولي الوزارة قولهم: إن كل الحالات من مستشفى واحد، لكنهم لم يقولوا من هو هذا المستشفى وماذا تم بخصوصه؟! أعرف أن جميع المستشفيات ما زالت تعمل كالمعتاد، ولم تحذر الوزارة من التعامل مع أي منها حتى الآن، وهذا يعني أن المستشفى المقصود ما زال يصدر حالات مرضية قاتلة، وكان من المتوقع أن تصرح الوزارة باسم المستشفى وتحذر من الذهاب إليه حتى يتم التعامل مع الحالات التي صدرت عنه بشكل مناسب ويزول الخطر، لكنها سكتت ولم توضح للمواطن سبب هذا الصمت المريب!! إذا كان سبب موت عشرة أشخاص حتى الآن لا يساوي التصريح باسم المستشفى، فما قيمة حياة المواطن إذا؟!

الشيء المؤكد أن المواطن ما زال يعيش حالة رعب كبيرة، والسبب أن الوزارة لم تعطه معلومات عن المرض بشكل كافٍ تجعله قادرا على تفهم طبيعته والحذر منه، وإذا كانت الوزارة تعتقد أن الحديث عن تطمينات عائمة يكفي فإنها مخطئة لا شك.

شركة أرامكو منذ الأيام الأولى حذرت كل موظفيها من المرض، كما أرسلت لهم رسائل مفصلة عنه، وكان الأجدر أن تقوم الوزارة بهذا العمل، لكنها لم تفعل.

من مسؤوليات الوزارة أن تبادر فورا لكشف أسباب الحالات التي انتهت بموت أصحابها، وتحدد على من تقع المسؤولية، وماذا يجب على المستشفى الذي أشارت إليه أن يفعل إزاء ضحاياه، كما أن من واجباتها أن تتحدث بشفافية صادقة عن الوضع الحالي وماذا فعلت لتقليل خطر المرض.

وسؤال أخير: ألم يكن من الأولى أن يأتي معالي وزير الصحة لمنطقة الأحساء، ويجتمع مع المواطنين، ويعيش بينهم أياما لطمأنتهم؟! ألا تساوي حياة المواطنين ذلك الحضور الذي لا يكلف شيئا، لكنه في غاية الأهمية للغير؟! لست أدري!.

المصدر : جريدة عكاظ - 2 رجب 1434هـ الموافق 11 مايو 2013م