مشاري بالغنيم - العربية

عدد القراءات: 20818

عاني مجتمعات الجزيرة العربية – ومن بينها المجتمع السعودي – من وجود بعض ممارسات التعصب والغلو والتمييز القبلي والفئوي، تنتشر وبدرجات متفاوتة من مجتمع لآخر، من قبل مواطنين متمسكين بتقاليد وأعراف وعادات لا تتناسب مع أنوار الإصلاحات والتوجه الحضاري الذي تعيشه المملكة العربية السعودية.

فلقد شهدت المملكة على مدار السنوات العشر الماضية، جهوداً إصلاحية وتطويرية متتالية تبناها ورعاها بشكل مباشر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أيده الله، لتعزز التوجه الحضاري للمجتمع السعودي نحو الدولة الحديثة التي أرسى دعائمها جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، مؤسس هذه البلاد وموحدها.

انطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز في نهجه على هدى الإسلام، وسعى إلى التواكب مع المعطيات الحضارية العصرية، آخذاً وبشكل متوازن الجمع بين الأصالة والحداثة، محققاً تطلعات المواطنين إلى الحياة الكريمة الآمنة، ومحفزاً لهم على التسامح والتآلف في نهج عصري لتتبوأ المملكة مكانتها اللائقة بين الأمم الحضارية، وهدفت جهوده، حفظه الله، إلى إقرار العدل والتسامح والتآلف والمساواة بين الناس داخل المملكة وخارجها، ومن أبرز هذه الجهود داخلياً دعوته المباركة إلى الحوار الوطني من خلال مركز الحوار الوطني الذي رعى إنشاءه منذ عشرة أعوام، ويعد منبراً لإثراء الحوار والنقاش حول مختلف القضايا التي تهم المواطنين ليكون أسلوباً من أساليب الحياة في المملكة، وقد ذكر حفظه الله في كلمته المباركة بمناسبة صدور الأمر السامي بإنشاء المركز، أنه يعد إنجازاً تاريخياً يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسؤول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف، ويوجد مناخاً نقياً تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي، وأن آداب الحوار يجب أن تنطلق من الجدال بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تم إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في 18 محرم عام 1425هـ الموافق 9 مارس/أذار 2004، بهدف حماية حقوق الإنسان في المجتمع وفقاً للنظام الأساسي للحكم الذي مصدره الكتاب والسنة، وتضمنت رؤيتها المساهمة في بناء مجتمع العدالة والمساواة وسيادة القانون وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى التسامح وتنبذ الظلم والتطرف، وتعزيزاً للتضامن الإسلامي ومن أجل التقريب بين المذاهب ووحدة الأمة الإسلامية، اقترح حفظه الله تشكيل مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره مدينة الرياض، وذلك خلال انعقاد الدورة الرابعة لمؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي بمكة المكرمة في 26 و27 رمضان 1433هـ الموافق 14 و15 أغسطس/آب 2012.

وفي الشأن الخارجي، دعا خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أكثر من مناسبة إلى تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة، وعكس دعوته إلى واقع بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات الذي افتتح في 12 محرم من هذا العام 1434هـ الموافق 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ومقره إحدى المدن الأوروبية العريقة فيينا بالنمسا، بهدف تحقيق الغايات النبيلة وعلى رأسها التسامح والتفاهم واحترام الآخر، ونبذ الكراهية والعنصرية بين الشعوب، حيث يشارك فيه الفاتيكان وممثلو أتباع الأديان والثقافات الأخرى.

كما نذكر واحداً من عديد من الأمثلة لملك الإنسانية وهو كفالته ورعايته وإضفاؤه البسمة والأمل للأسر – من أي جنسية – التي يولد لديها توائم لاصقة سيامية، فوفر الإمكانات الطبية من الأجهزة والكفاءات البشرية لإجراء عمليات فصل التوائم بنجاح.

والملاحظ في ملامح أسلوب القيادة الذي ينتهجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز التوجه الحازم إلى المبادرة والتطوير والانفكاك من كثير من القيود المصطنعة التي كادت تقعدنا عن مواكبة العصر، ومن ثم فإن التاريخ سيسجل لعهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه عهد الإصلاح والتحديث والتجديد، أرسى فيها دعائم حقوق الإنسان وأتاح الفرصة في المساواة للجميع، وتقدير دور المرأة كشريك في المجتمع تتمتع بحقوقها في التعليم والعمل والاستثمار، بعد أن كانت تكبلها القيود والتقاليد، فأصبحت تتبوأ مواقع قيادية في الدولة، وتنشأ لتعليمها العديد من الكليات في تخصصات جديدة غير تقليدية، وتأخذ فرصتها في التعليم والابتعاث الخارجي، وفي العمل في العديد من المجالات حنباً إلى جنب مع الرجل.. وفي الاستثمار بإزالة القيود المكبلة والتي كان منها الوكيل الشرعي، وتأكيد حقها في الحصول على ترخيص بمزاولة مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما تم إقرار حقها في الانتخاب وفي الترشيح لعضوية المجالس البلدية. وأخيراً وليس بآخر، صدور الأمر الكريم في 29 صفر من هذا العام 1434هـ الموافق 13 يناير/كانون الثاني 2013 بتعيين 30 سيدة سعودية في عضوية مجلس الشورى.

ورغم الجهود الإصلاحية البناءة التي نقلت المملكة إلى خارطة الدول الانفتاحية العصرية القائمة وتوجيهات القيادة الحكيمة بالأخذ بالعدل والوسطية والمساواة بين كافة أفراد المجتمع وكفالة جميع الحقوق والحريات المشروعة دون تفرقة أو تمييز، فإن هناك بعض الممارسات التي ما زال يتمسك بها بعض فئات المجتمع، ويسيرون من خلالها في درك مظلم يترامى في أحضان العنصرية والتعصب بعيداً عن عصر الأنوار الذي نعيش فيه.. من خلال مسميات يطلقها البعض للتفرقة بين سكان المجتمع، ويجعلونه في شكل ثنائي.. قبيلي أو خضيري.. بقايا حجاج وطرش بحر أو ومواطن أصلي.. حجازي أو نجدي.. سعودي الأصل وسعودي بالتجنس.. إلى جانب التقاليد التي تميل إلى الإقلال من مساواة المرأة ونيل حقوقها.. أو إشعار السكان القادمين من خارج المملكة بأنهم أجانب وليسوا عمالة وافدة أتت للمشاركة في عمليات التنمية الجارية في الوطن.

ومع أن التعصب والتمييز موجود بدرجات متفاوتة في العديد من المجتمعات، إلا أنه من المفترض ومع هذه الجهود الإصلاحية أن يتضاءل في مجتمعنا إلى أضيق الحدود.

القبيلي والخضيري

أول هذه الممارسات هي موضوع تكافؤ النسب عند الرغبة في النسب والتزاوج، واشتراط أن يكون المتقدم للزواج إلى عائلة ما.. قبيلي أي ينتمي إلى قبيلة ما من القبائل العربية المعروفة، أما لو كان مواطناً غير منتمٍ إلى قبيلة فإنه يطلق عليه في معظم مناطق المملكة “خضيري”.. ولا تقبل مصاهرته بسبب عدم تكافؤ النسب.. وقد انعكست هذه القضية بشكل سلبي على المجتمع وتعد من أحد الأسباب الرئيسية لتأخر سن الزواج وعدم زواج نسبة من الفتيات السعوديات بلغت 6.2%، وفقاً لنتائج المسح الديموغرافي لعام 1428هـ الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وهي نسبة من وصلن إلى عمر 30 سنة دون زواج، وتبين أن عدد السعوديات اللتي بلغن هذا السن ولم يتزوجن 108.412 سعودية من بين 1.745.677 من السعوديات اللاتي لم يسبق لهن الزواج في مختلف الأعمار وقت إعداد المسح الديموغرافي، كما أن مشكلة تكافؤ النسب كانت سبباً لبعض حالات الطلاق.

وهذه الظاهرة لا تتوافق مع مبادئ الحضارة الإسلامية المتسامحة، وأيضاً لا تتناسب مع توجهات الإصلاح وإذكاء روح المواطنة وأبناء الشعب الواحد.. نتيجة لتأثيرها السلبي في مفهوم المواطنة، خاصة مع ما وصلت إليه من غلو وتفاخر بالقبلية في المنتديات ومواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية.. مع التسليم بأن هناك مواطنين لا يعيرون هذه القضية أية أهمية خاصة في المدن الكبيرة التي تحقق فيها الصهر الاجتماعي melting pot إلا أن التقسيم الفئوي على أساس قبيلي وغير قبيلي لا يزال قائماً في مجتمع الجزيرة العربية، ومنها المجتمع السعودي ولو إلى حد ما.

وربما لا يعرف البعض سبب التفرقة التي تعد في الرأي المستنير تفرقة لا مبرر لها، بين القبيلي والخضيري، وما يطلق عليه بشكل آخر خط 220 القبيلي، وخط 110 الخضيري.

فالقبيلي هو الشخص ذكراً كان أم أنثى ممن يُعرف أنه ينتمي لقبيلة معينة من قبائل العرب، يقال مثلاً فلان حربي وآخر عتيبي، وثالث عنزي ورابع مطيري وغيرها من أسماء القبائل.

أما الخضيري فهو الشخص ذكراً كان أم أنثى الذي لا يعرف أنه ينتمي لقبيلة معينة من قبائل العرب، فهو ينسب عادة لعائلة معينة، ومنها أسماء معروفة، وقد تكون تلك العائلة ممن ينتسب لقبيلة معينة، لكن لسبب من الأسباب تحول ذلك الفرع من القبيلة (عرفاً) إلى خضيري واعتبره المجتمع لا ينتمي لقبيلة معينة وسارت ذرية ذلك الفرع بهذا الشكل.

وقد نشأ لفظ من يطلق عليه خضيري نتيجة لواحد من أسباب افتراضية منها:

– أن يكون أحد أجداده الذكور (من القدم) ليس عربي الأصل، كأن يكون جده فارسياً أو رومياً أو حبشياً ودخل مع العرب وتعلم لغتهم واندمج فيهم وظلت ذريته لا تنسب لقبيلة معروفة من قبائل العرب المشهورة.

– أن يكون أحد أجداده قبلياً أصلاً وينتمي لقبيلة عربية معروفة، لكنه ولظروف معيشية ما امتهن مهنة لا يقبلها القبيليون مثل إحدى المهن الحرفية نجار أو حداد أو قصاب أو بناء أو غيرها من المهن التي يأنف منها القبيليون. وبسب امتهانه لهذه المهنة تخلى عنه قومه وقبيلته مما اضطره للاندماج بطبقة الخضريين، فتزوج منهم وتزوجوا منه، وانفصل عن القبيلة الأم.

– شخص من القبائل المعروفة، تزوج من إحدى بنات هذه الأسر، أو زوج إحدى بناته لهم، فأصبح في عرف الناس منهم.

– أن يكون أحد أجداده قبيلياً أصلاً، ولكن بسبب الحروب والكوارث الطبيعية انتقل مع الأسر النازحة لمناطق بعيدة عن قبائله، وأصبح من فئة ممن يسمون الخضيريين. والحروب والكوارث حاضرة على مدار التاريخ، وتؤدي إلى تشتت الأسر وأطفالها مما قد يجعلهم في غير قبائلهم الأصلية، وينقطع نسبهم.

– أن يكون قد اضطر إلى الانتقال من قبيلته إلى قبيلة أخرى ربما تكون معادية لقبيلته فيضطر إلى إخفاء اسم قبيلته.

– أن يكون أحد أجداده هارباً من قبيلته بسبب دم أو بسبب ديون متراكمة عليه، أو أتى فعلاً محظوراً، ومن ثم تعرض لعقوبة طرده من القبيلة، ثم دخل في قرية من القرى أو لجأ إلى قوم من الأقوام وعمل عندهم كخادم أو صبي مخفياً أصله، وتزوج منهم أو من خدمهم، فأصبح شخصاً لا ينتمي لقبيلة معينة، حيث إنه أخفى اسمه لكي لا يتابعه أصحاب الحق عليه.

– هناك من يرجع تفسير منشأ فئة الخضيريين إلى فكرة المجتمع الذي كان يتأسس على العبودية وهي سبي وبيع العبيد، وكانت من سمات مجتمع الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة، ووجود فئة العبيد استلزم رسم حدود فاصلة بين السكان الأصليين وبينهم حتى بعد انتهاء سمة العبودية.

أما عن لفظ خضيري، فهناك من يرجعه افتراضاً إلى الدولة الأخيضرية التي تأسست في إقليم اليمامة في شرق نجد عام 253هـ – 867م على يد محمد بن يوسف الأخيضر، الذي يعود بنسبه إلى الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكانت هذه الدولة تتبع المذهب الشيعي الزيدي، واستمر قيامها أكثر من 220 عاماً أي بعد منتصف القرن الخامس الهجري.

ولا يقتصر تكافؤ النسب على التفرقة بين القبيلي والخضيري، بل إنه داخل القبيليين قد تتجه التفرقة إلى أن تصر بعض القبائل على عدم زواج نسائها إلا من أفراد القبيلة ذاتها، وهناك أيضاً التمييز داخل القبائل، حيث تقسم القبائل إلى مستويات للتفاخر، فمنهم من يرى أنهم من المستوى الأعلى دون القبائل الأخرى. وأيضاً بين الخضيريين فهناك تفاوت بين العوائل، وما زال التفكير تبعاً لذلك يدور في الحدود الضيقة للقرية القديمة، وحتى داخل المناطق نجد على سبيل المثال في الإحساء القبيليين فئتان من لهم أصولهم من نجد ينظرون نظرة دونية إلى من هم ليسوا بأصول نجدية، كما أن الخضيرية كذلك ينقسمون إلى ثلاث فئات متدرجة.

يحدث هذا رغم التوجه المنتشر في أرجاء العالم نحو العولمة، ورغم التحولات العميقة التي تشهدها الجزيرة العربية، وخصوصاً المجتمع السعودي، والإصلاحات المنيرة التي تتجه إليها قيادتنا الحكيمة، إلا أن هؤلاء المتشبثين بالعادات القديمة من ذوي النعرة القبلية لا يجدون ما يرفع من شأنهم إلا الانتساب القبلي وليس الكفاءة أو الجدارة.

إن هذه التفرقة تعود بنا إلى ما تمسك به الأجداد الأولون في عهود الوثنية ما قبل الإسلام، وجاء الإسلام بمبادئه السامية فقضى عليها، ولو ترك الناس إلى التشبث بها لما ازدهرت هذه المبادئ، والحقيقة أن عدم التكافؤ في النسب ليس عليه دليل شرعي، إنما التكافؤ هو في الدين فقط، وهذا روح العصر الذي حرص الإسلام عليه، والأدلة على ذلك كثيرة، من حضارتنا الإسلامية بما تحمله من معانٍ جميلة تغنينا عن الثقافات الأخرى.

فالتفضيل بين الناس في الإسلام لا يبنى على الفوارق في اللون أو الجنس أو النسب – الناس كلهم لآدم وآدم خلق من تراب – وإنما يكون التفضيل في الإسلام بين الناس حسب ما رود من نصوص ومبادئ، هو وفقاً للإيمان والتقوى. قال تعالى: “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” الحجرات/13.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب”، رواه الترمذي وحسنه الألباني ، وقال صلى الله عليه وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، رواه الترمذي، أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: “أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقصاء بالنجوم والنياحة”، أخرجه مسلم.

والمساواة بين الناس هي إحدى الأسس التي قامت عليها الدعوة الإسلامية، حيث ساوى الرسول عليه الصلاة والسلام بين عبيد مكة وأشرافها، وبين أغنيائها وفقرائها، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وبين العرب ومواليهم من الأحباش والفرس والروم، كما نهى الإسلام عن العصبية ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية”، رواه أبو داود.

وإذا كان من ضمن تصنيفات الخضيرية أنهم يمارسون الحرف، فإن معظم الأنبياء إن لم يكن جميعهم كانوا من أرباب الحرف، فآدم عليه السلام كان مزارعاً، ونوح عليه السلام كان نجاراً، وإدريس عليه السلام كان خياطاً، وداود عليه السلام كان حداداً، وإلياس عليه السلام كان نساجاً، والأمثلة كثيرة.

وحول هذه الأمور سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، يرحمه الله، عن أنه ينتشر بين سكان نجد وغيرهم قصر الزواج على ناس وتحريمـه على آخرين لأن هناك تفرقة فهذا حرفي وهذا صانع وهذا خضيري وهذا قبيلي، فهل قصر الزواج على فئة دون فئة يقره الشرع، فأجاب فضيلته “اختلف العلماء فيما تعتبر فيه الكفاءة في النكاح، والصحيح أنها تعتبر في الدين، لقوله تعـالى “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. ويــدل لذلك أن النبي زوج زيد بن حارثة – مولاه – زينب بنت جحش وهــي قرشية وأمها هاشمية، وزوج أسامة بن زيد – مولاه وابن مولاه – فاطمة بنت قيس وهي قرشية، وزوج أبا حذيفة – وهو قرشي- مولاه سالماً ابنة أخيه، وزوج أخت عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لبلال وهو حبشي وعتيق لأبي بكر، وبذلك يتبين أنه لا حرج في الشرع أن يتزوج قبيلي من العجـم والموالي وما يسمى عند الناس خضيري. والعكس أيضاً صحيــح، فلا مانع أن يتزوج الخضيري القبيلية”. وسئل: الشيخ العثيمين في رأى الشرع فيمن ينعت الصناع وأصحاب المهن الشريفة بغير القبيلي وأن كل من امتهن هذه المهن يصبح خضيرياً؟ رأى فضيلته أن هذا من دعوى الجاهلية ولا صحة لذلك، فكم من أناس أصحاب صنائع وهم من صميم قبائل العرب.

‎وسئل الشيخ العثيمين: ما معنى قول “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس”، حيث يعتقد ‎‎البعض بعدم زواج القبيلي من غير القبيلية والعكس. وما رأيكم في ذلك، فقال فضيلته: هذاالحديث غير صحيح، فإذا عرفنا أن هذا الحديث غير‎ ‎صحيح بطل ما احتج به هؤلاء الشعوبيون. وسئل الشيخ أيضاً:‎ما حكم من يمنع زواج ابنته من الرجل الكفء بحجة أن‎ ‎المتقدم‎ ‎غير قبيلي، وإذا نوقش في ذلك قال إن الله جعل الناس ‏درجات والغير قبيلي ليس له أصل؟‏ فقال الشيخ العثيمين: الواقع أن مسألة القبيلي وغير القبيلي أمر ثانوي، والذي أرى أن يعتمد في هذا على الدين والخلق فإذا كان الخاطب ذا دين وخلق ‏فليزوج وإن لم يكن قبيلياً ويتزوج من الفتاة ولو لم تكن قبيلية وهذه الأمور لا ينبغي الرجوع إليها، وإما قوله صلى الله عليه وسلم “تنكح ‏المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها”، فهذا حقيقة وتعني أن هذا ما يريده الناس لكن هل هذا هو ما يريده الشرع؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم “فاظفر بذات الدين تربت يداك”.

وبالرجوع إلى مراجع اللغة العربية لتحديد معنى كلمة “الحسب”، فإن كلمة الحسب معناها في “لسان العرب” (المال، الفعل، الشرف في الآباء). وفي القاموس المحيط (الحسب هو ما تعده من مفاخر آبائك، أو المال، والدين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل، أو الفعال الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء….)، ومن ثم فإن ليس معنى الحسب الأصول القبلية.

وإذا كنا نسلم بأهمية وجود التكافؤ في الزواج، فكما قال ابن القيم يرحمه الله “اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر ولا عفيفة بفاجر”. وقال ابن القيم يرحمه الله “إنه يجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الموسرات”.

وقد فات على البعض أن هناك من الأنبياء منهم ليسوا بقبيليين.. وأيضاً أن كثيراً من العلماء االمسلمين الذين يفتخر بإنجازاتهم العالم في الماضي والحاضر هم من غير القبيليين، وأيضاً بعضم من المسلمين غير العرب. ومن أبرزهم البخاري (المولود في أوزباكستان) والترمذي (المولود في تركمنستان) والنسائي ( المولود في خراسان) وأبوداود (المولود في إقليم ساجستان يسمى حالياً سيستان بإيران) ومسلم (المولد في ديسابور بخراسان)، وهم من أهم علماء الحديث، وابن سينا أبو الطب (المولود في أوزباكستان) والخوارزمي أبو الرياضيات (ولد في مدينة خوارزم بأوزباكستان)، وأبو الريحان البيروني المتعدد المواهب في علمه في الرياضيات والفيزياء والصيدلة والكتابة الموسوعية والفلك والتاريخ (ولد في خوارزم بأوزباكستان)، وأبو بكر الرازي النابغة في العلوم الطبية (المولود في مدينة الري قرب طهران)، والطبري من خيرة من فسروا القرآن الكريم (ولد في طبرستان)، وسيبويه واسمه عمرو بن عيمان بن قنبر أبو بشر أمير النحاة واللغة العربية (ولد في قرية البيضاء بشيراز ببلاد فارس)، كما أن هناك الكثير من العلماء في دول نامية مثل الهند وبنغلاديش صدّروا التكنولوجيا المعاصرة والعلوم الحديثة إلى أكثر الدول تقدماً مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

بقايا الحجاج.. وطرش البحر

هناك نظرة اجتماعية أخرى من بعض المواطنين إلى أقرانهم من سكان المنطقة الغربية والمناطق الساحلية، حيث هناك من يطلق على المواطنين في مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وجدة وينبع ممن لا ترجع أصولهم لقبائل الجزيرة العربية، ببقايا الحجاج، وهم الذين أتوا من بلاد بعيدة عن طريق البحر أو البر لأداء فريضة الحج وانتهى بهم الحال إلى الإقامة الدائمة بإحدى هذه المدن في المنطقة الغربية من المملكة، وكذلك ما يطلق عليهم البعض بشكل خاطئ منبعه نظرتهم الفوقية والعنصرية “طرش البحر”، وهم الذين أتوا عن طريق البحر لأداء فريضة الحج أو العمل في المنطقة الغربية واستقروا بها.

ورغم أن المواطنين من سكان هذه المدن قد اكتسبوا العديد من سمات التميز الثقافي والحضاري في ظل الثقافة الإسلامية وفقاً لما وصفهم به ابن خلدون “رقة التحضر” يحكم اختلاطهم مع الحجاج الذين يفدون إلى المملكة من جميع أقطار العالم. كما نجد من بعض أفراد المنطقة الغربية من يمارس التميز ويصف أهل نجد بالشروق والأصل البدوي.

معاناة المرأة السعودية

رغم صدور العديد من الإجراءات التي تفعل حقوق المرأة السعودية، إلا أنه ما زالت توجد بعض القيود المكبلة لممارستها الحياة، ونقصد ممارسة الحياة في ظل الضوابط الشرعية التي يقبلها الجميع، ومن هذه القيود القائمة للوصاية على المرأة حيث تقبع تحت وصاية الرجل حتى إن وصلت إلى سن الشيخوخة، أو ما يطلق عليه البعض أرذل العمر، وذلك طبقاً للقواعد الصارمة لنظام “ولاية الأمر” للرجال على النساء، فتتم معاملتهن كقاصرات في كافة أنشطة الحياة، تحول دون استمتاع المرأة بحقوقها الأساسية، وما زال قانون المحرم الشرعي أكثر القوانين تمييزاً ضد المرأة الراشدة في المجتمع، حيث يحرمها من اتخاذ قرارتها الخاصة بنفسها من تعليم، وعمل، وزواج، وطلاق، وحضانة أطفال، وعلاج، وتنقل داخل المملكة وخارجها دون إذن من رجل، أو حتى أداء فريضة الحج أو الحصول على الرعاية الصحية دون إذن من رجل.

كما تعاني المرأة من محدودية فرص العمل رغم أن قانون العمل السعودي يضمن أن لكل مواطن الحق في العمل والحصول على فرص التدريب، إلا أنه لا تزال فرص العمل للنساء محدودة، وعلى الرغم من أن نسبة البطالة الأكبر عالمياً وصلت إلى 33.4% طبقاً للمسح الإحصائي الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عام 1432هـ (2011م).

ولكن الأمل معقود في إزالة ما تعانيه المرأة من قيود، خاصة مع الجهود المبذولة من الحكومة لزيادة فرص عمل المرأة، ومن أهمها قرار مجلس الوزراء رقم 120 وتاريخ 12/4/1425هـ متضمناً عدة توجيهات لتفعيل مساهمة المرأة شملت توجيه الجهات الحكومية التي تصدر تراخيص لمزاولة الأنشطة الاقتصادية باستقبال طلبات النساء لاستخراج التراخيص اللازمة لمزاولة تلك الأنشطة، وعلى جميع الجهات الحكومية التي تقدم خدمات ذات علاقة بالمرأة إنشاء وحدات وأقسام نسائية، بحسب ما تقتضيه حاجة العمل فيها وطبيعته، وعلى الجهات ذات العلاقة تخصيص أراض أو مناطق داخل حدود المدن وتهيئتها لإقامة مشروعات صناعية تعمل فيها نساء وقصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، وعلى وزارة العمل وضع جدول زمني لتنفيذ ذلك ومتابعته.

وأيضاً صدور قرار مجلس الوزراء رقم (406) وتاريخ 27/12/1433هـ بالموافقة على الترتيبات الخاصة بأولاد المواطنة السعودية من غير السعودي والتي تضمنت عدة تيسيرات شملت منح أولادها المقيمين في المملكة الإقامة على كفالة والدتهم، ولها طلب استقدامهم إذا كانوا خارج المملكة للإقامة معها على كفالتها وليس عليهم ملحوظات أمنية، مع تحمل الدولة رسوم إقامتهم، والسماح لأولادها بالعمل لدى الغير في القطاع الخاص دون نقل كفالتهم، ومعاملة أولادها معاملة السعوديين من حيث الدراسة والعلاج، ويحتسبون ضمن نسب السعودة في القطاع الخاص، وأيضاً السماح للمواطنة السعودية باستقدام زوجها الأجنبي إذا كان خارج المملكة أو نقل كفالته عليها إذا كان داخل المملكة إن رغب في ذلك، ويدون في الإقامة (زوج مواطنة سعودية)، ويسمح له بالعمل في القطاع الخاص، بشرط أن يكون لديه جواز سفر معترف به يمكنه من العودة في أي وقت لبلده (جهة إصدار الجواز).

معاملة البعض للعمالة الوافدة

هناك نوع آخر من النظرة الدونية لدى البعض للعمالة الوافدة للعمل في دول الخليج بوجه عام. كثيراً ما نسمع عن كثرة الشكاوى المقدمة من المقيمين إلى مكتب العمل للمطالبة بحقوقهم، إضافة إلى أننا نسمع من يناديهم بغرض تأكيد صفتهم كأجانب مثل مناداتهم.. بالبنغالي أو اليماني أو الزول أو المصري أو الهندي أو الفلبيني، وغيرها بقصد النظرة الدونية لهم، في حين أنهم قدموا إلى المملكة للمشاركة في تنفيذ المشروعات المتعددة للتنمية، في وقت لم تكن تتوافر فيه العمالة الوطنية، وحتى الآن مازال العديد من المهن لا تتوافر بها التخصصات المناسبة من العمالة ويعمل بها الأخوة الوافدون مثل مهن الإنتاج في جميع المصانع، ومهن التشييد والبناء، إضافة إلى مهن النظافة والحفاظ على البيئة، وقد سبق لوزير العمل السعودي السابق الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله أن انتقد بشدة من العنصرية في معاملة البعض للأخوة الوافدين. وقال في كلمة في اجتماع سابق لمديري مكاتب العمل نشر عنه في جريدة “الوطن” يوم الاثنين 29-12-2008 (كنا عندما يأتي إلينا الأجنبي ننظر إليه نظرة تقترب من التبجيل، فهو إما طبيب نطلب منه العلاج، أو أستاذ نطلب منه المعرفة، أو محاسب نطلب منه أن ينظم أعمالنا، أما الآن انقلبت هذه الصورة وأصبحنا ننظر إليهم وكأنهم أتوا كي ينهبونا أو يفسدوا مجتمعنا أو ينشروا الجريمة، ونحن الذين أتينا بهم).

وبسبب النظرة الدونية لغير السعوديين من بعض الجنسيات مثل الآسيوية مع أن الكثير من هؤلاء الوافدين لديه الكفاءة والخبرة، إلا أن عدداً غير قليل من الشباب السعوديين يرفض ويمتنع من أن يتدرب أو يتعلم من بعض غير السعوديين أو يكون تحت إشرافهم أو إدارتهم، مما أوجد نتائج وخيمة على تطوير القوى العاملة الوطنية ومشاركتها بفعالية في برامج التنمية، وهذه النظرة الدونية منتشرة لدى كثيرين من ذوى الأصول القبلية أو غير القبلية على حد سواء، في قالب التنميط القائم على الاستعلاء والمبني على اعتقاد لدى فئة من الفئات بنظرتهم الفوقية لأنفسهم بمعايير غير واقعية، وتعميم الأخذ بها من جيل لجيل، في حين أثبت الواقع أن التنميط العنصري هو أحد أكبر المعوقات التي تقف أمام تطور الفرد والمجتمع، بل هو من الأسباب المباشرة المؤثرة في تدني أداء المنشآت، مما يجعلنا في سياقات مختلفة بعضها يسير في خط حداثي صاعد مرتبط بالتحضر والعصرية، وما تتسم به من مرونة، والآخر يسير في ارتداد مرتبط بالماضي والتقاليد والموروثات القديمة وما يتصل بها من جمود.

الخروج من الصمت على القضايا الاجتماعية

ومع تسليمنا بأهمية وحق الإنسان في أن يعرف انتماءه الأسري ويفتخر به ومنه الافتخار بالوطن والافتخار بالقبيلة، إلا أن الخطأ للنظرة الفوقية للآخرين، والاعتقاد بالتفرقة الموروثة والتوجه إلى الزهو بالذات أو التفاخر بأنه أفضل وأنقى من غيره من باب التحيز العرقي والعنصري والمناطقي.

لقد اتجهت دول العالم إلى إقرار المساواة بين مواطنيها، والقضاء على الميل للتعصب والعنصرية، ويكفي مثلاً على ذلك جنوب إفريقيا رغم تعدد فئاته ما بين إفريقية الأصل وهندية وأوربية، وها هي الولايات المتحدة الأميركية يرأسها أوباما، وهو من أصل زنجي وأبوه مسلم، وليس من البيض الذين يشكلون غالبية السكان الأميركيين.

وقد آن الأوان لتكثيف وسائل التوعية الدينية والإعلامية وحفز اهتمام المؤسسات التعليمية والثقافية لمواجهة ظاهرة التعصب في مجتمعا أياً كانت، سواء من حيث البعد القبلي أو المناطقي، أو من حيث الجنس أو من حيث الجنسية حتى نتواكب جميعاً ونعضد الجهود الإصلاحية والحضارية التي تقوم بها قيادتنا الرشيدة والتي تحرص على انتهاج تعاليم ديننا الحنيف المتميز بالوسطية والمساواة ومحاربة الغلو والتعصب، والحرص على وحدة الوطن وجمع كلمة الأمة، ولنا جميعاً أن نعتز ونفتخر بما بذله جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز يرحمه الله مؤسس هذه البلاد، من جهود مضنية لتوحيد مناطق المملكة المتفرقة، وتوحيد جميع فئات المجتمع القائمة آنذاك في بوتقتها، وهي جهود تتفوق بشكل كبير نتيجة ما تضمنته من جهد ومشقة عن جهود التوحيد في بلدان العالم الأخرى مثل جهود “أتو فون بسمارك” لتوحيد ألمانيا وجهود “جوزيبي غاريبالدي” المكافح الشهير لتوحيد إيطاليا في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي.

ولقد سبق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله أن حذر من آفة التعصب والنعرات منذ سنوات وبالتحديد في افتتاح دورة مجلس الشورى في إبريل/نيسان 2007 حين قال أيده الله “إن تأجيج الصراعات المذهبية وإحياء النعرات الإقليمية واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الإسلام وسماحته، ويشكل تهديداً للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة، لذا فإنني آمل أن يكون للوحدة الوطنية مكان الصدارة في اهتمامات مجلسكم”.

وهذه النظرة الحضارية للظاهرة من لدن خادم الحرمين الشريفين تأتي من تمسكه حفظه الله بتعاليم وتراث الدين الإسلامي المتسامح، وأيضاً بالقيم الإنسانية المعاصرة.

أين دور فئة المثقفين؟

ورغم استمرار وجود هذه القضايا الاجتماعية وانتشارها، فإنه من الملفت للنظر أنها لم تلق ما يستحقها من عناية من قبل فئة لها وزنها في المجتمع والمعنية بطرح القضايا العامة، وهي فئة المثقفين والمهتمين بالشأن الاجتماعي. كما نلاحظ في السنوات الأخيرة نمو وترعرع جيل من الشباب والشابات الخليجيين أقبلوا بشغف على نهل ثقافتهم واستقاء معلوماتهم من الثقافة الكونية وهذا شيء مطلوب، إلا أنه في ذات الوقت يجب أن تأخذ الثقافة المحلية المساحة المناسبة من اهتمامهم، واستخدام لغة الثقافة المحلية في طرح مثل هذه القضايا. ورغم أن كثيراً من فئة المثقفين في المجتمع يرفعون شعارات الحداثة والتجديد والتوافق مع العصرية المجتمعية، فإن الواقع يظهر أنه لم تتجسد في أطروحاتهم أو أعمالهم الأدبية الاهتمام بظاهرة التعصب والغلو بدرجة مناسبة يتم من خلالها تنمية الوعي لدى المجتمع لمواجهتها وتأخذ بيد من يمارسونها بعيداً عن ظلمات قرون ما قبل الإسلام والتنوير إلى المعطيات العصرية التي نعيش فيها، خاصة مع التحولات الاجتماعية العميقة في تركيبة المجتمع، وأخذ وسائل الإقناع المناسبة للإقلاع عن تلك الممارسات، وفي مقدمتها المبادئ السامية لحضارتنا الإسلامية السمحة والتي هي مكون رئيسي لهويتنا.

والأمل في أن يجد هذا الموضوع مساحة من الأهمية في مناقشات وتوجهات مجلس الشورى، وكذلك على المائدة المستنيرة التي يتبناها للنقاش والحوار الهادف مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي تبنى إنشاءه ويرعى مسيرته قائد نهضتنا الإصلاحية والحضارية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أيده الله، حتى لو احتاج الأمر لاقتراح إصدار قانون صارم يحمي ركائز الوحدة الوطنية ويجرم أي ممارسة للتمييز القبلي والعرقي والطائفي وغيره من صور التعصب والعنصرية، حيث يخلو نظام القضاء السعودي من نصوص صريحة تجرم العنصرية والتعصب.

إضافة إلى طرح هذه القضية بشكل فعال من قبل العلماء والدعاة والمثقفين وكتاب الرأي والإعلاميين الذين لهم تأثيرهم في تناول قضايا المجتمع، فمع التسليم بأن ما نطرحه من إشكالية التمييز في المجتمع موجود بأشكال مختلفة في معظم المجتمعات وبشكل متفاوت، لكن ما تتسم به المجتمعات المتقدمة هو أن تقدمها مقرون بتناول نخبها – وخصوصاً المثقفة – لهذه القضايا بوضعها تحت المجهر والتشريح بالنقاش والحوار حول أنجع السبل للتخلص منها أو تقليصها إلى أدنى حد ممكن، ومن ثم فإننا نطالب مثقفينا بأن تأخذ هذه القضايا الاجتماعية المطروحة جانباً أكبر من اهتماماتهم وأن يكون تناولها بأسلوب مخاطبة يمزج الثقافة المحلية بمبادئ وممارسات الحضارة الإسلامية الأصيلة مع القيم الإنسانية الكونية المعاصرة.

المصدر : العربية - 16 رجب 1434 هـ- 25 مايو 2013م