الاعتماد الأكاديمي وتقويم التعليم.. (2-3)
د. عبد الإله بن عبدالله المشرف - جريدة الجزيرة
أشرت في المقال السابق إلى أهمية تقويم التعليم، وارتباط ذلك بمفهوم الاعتماد المدرسي، وتأثيره الإيجابي الفاعل في تعزيز المنجزات المتميزة، وفي تصحيح الأخطاء، وفي تطوير الأداء، وتطرقت إلى أن التقويم الفعلي للتعليم يجب أن يتم بحيادية وموضوعية وشفافية، وهذا لا يتأتى إلاّ إذا توفرت هيئة وطنية لا ترتبط بوزارة التربية والتعليم، ولا ترجع إليها في قرارها.
والحقيقة أن وزارة التربية والتعليم لها تجارب عديدة فيما يخص تقويم الأداء المدرسي، بدءا من مفهوم التفتيش، إلى مفهوم الإشراف التربوي المتمثل في زيارات المشرفين من الوزارة لتقويم أداء المدارس، وفي الفترة من (1418 – 1425) تبنت الوزارة فكرة مشروع التقويم الشامل مشابهة بذلك مكتب التقويم الشامل في المملكة المتحدة OFSTED)) ، وقد اكتمل إعداد وتجهيز المشروع واستكمال جميع الأدوات، وتدريب عدد من فرق العمل، والتجريب ثم توقف المشروع ولم تكمل الوزارة المسيرة فيه، ثم جاءت فكرة الجودة الشاملة لتحل محل مشروع التقويم الشامل، وتم استحداث إدارة كاملة للجودة، وعقد مؤتمر خاص بذلك قبل ثلاثة أعوام، غير أن علاقة إدارة الجودة بالمدارس لا تزال في إطارها النظري، ولا يزال الإشراف التربوي يمارس دوره المعتاد.
إن مفهوم تجويد التعليم، ومفهوم الاعتماد المدرسي، ومفهوم التقويم الشامل للمدرسة مفاهيم متلازمة فلا يمكن أن نتحقق من وجود الجودة إلاّ من خلال التقويم، ويتعذر تحقيق الاعتماد المدرسي بدون جودة، وبالتالي فالتكامل بين المفاهيم السابقة واضح ومطلوب.
إن الحديث عن الاعتماد المدرسي كثيراً ما يرتبط في أذهاننا بعدد من المؤسسات التربوية العالمية التي غزت السوق السعودي في التعليم العالمي من مثل (CITA) ، (Advanced)، (Ib) ، (ICA) ، (NCA) ، (CIS) ، وغيرها كثير من المؤسسات التي ترفع راية تجويد التعليم، والتي لا تعمل إلاّ مع المدارس التي تعتمد اللغة الإنجليزية لغة التعلم، ولذا فهي محصورة بالمدارس العالمية فقط، ووفقاً للمعايير التي جاءت منها تلك المؤسسات.
ويوشك ألا تجد مفهوم الاعتماد المدرسي متداولاً لدى المدارس التي تتحدث اللغة العربية التابعة للوزارة حكومية كانت أو أهلية، فالوزارة تستبدل مفهوم الاعتماد بمفهوم التقويم من خلال الإشراف، ولديها تجارب غنية في تقويم الأداء المدرسي، وفي بناء أدوات التقويم، وفي تكييف عدد من الأساليب والأدوات العالمية لتتواءم مع البيئة السعودية، وفي اعتقادنا أنها كافية لبناء منظومة كاملة للاعتماد المدرسي بعد إجراء بعض التطوير عليها.
والسؤال هنا هو : ما الذي نريده من وزارة التربية والتعليم، وما الذي نتوقعه من هيئة تقويم التعليم العام سعياً إلى تجويد التعليم وتطويره.
إننا نريد من وزارة التربية والتعليم في ظل التوجهات الحديثة نحو التقويم والاعتماد المدرسي ما يلي:
1 – الإسهام في نشر الوعي في المجتمع بأهمية التقويم والجودة من خلال برامج عمل يتم قياس آثارها والتحقق من نتائجها.
2 – بناء ثقافة الجودة في مدارسنا « الحكومية والأهلية»، وبناء منهجية التقويم من خلال المعايير المعتمدة.
3 – تعزيز دور المجتمع في تقويم الأداء المدرسي، وتفعيل وتطويركثير من القرارات الوزارية في مشاركة الآباء في تقويم الأداء وصناعة القرار المدرسي.
4 – إيجاد الآليات التقويمية الموضوعية والمتنوعة التي تعكس مدى جودة التعليم في المدرسة من جوانب عدة ومن خلال فئات متعددة « المعلمون، الطلاب، أولياء الأمور، الحي، المجتمع، إدارة التعليم، الوزارة.. إلخ «.
5 – اعتماد أسلوب الاختبارات الوطنية في المواد الأساسية وبشكل خاص اللغة العربية والعلوم الشرعية والرياضيات والعلوم الطبيعية واللغة الإنجليزية.
6 – إيجاد الآليات المناسبة لتحقيق التكامل التنظيمي الذي يسهم في تحقيق الأهداف المنشودة مع كل من مركز القياس والتقويم، وهيئة تقويم التعليم العام.
ونتطلع إلى هيئة تقويم التعليم العام بأن تكون علامة فارقة في تطوير التعليم، وفي تحقيق الجودة المطلوبة، من خلال:
1- الإسهام في نشر ثقافة الجودة والمعيارية والاعتماد المدرسي في التعليم في المملكة العربية السعودية والتعاون مع جميع الجهات المعنية في ذلك.
2 – صناعة منظومة معيارية شاملة للجودة والاعتماد المدرسي تكون منبثقة من البيئة الثقافية المحلية، وتحقق الضوابط المعيارية العالمية، وتمكن الطالب السعودي من النجاح في الداخل والخارج.
3 – التكامل المؤسسي العملي مع عدد من الجهات المتميزة في مجال تطوير التعليم العام، ومن أبرز هذه الجهات: وزارة التربية والتعليم، مركز القياس والتقويم، المركز الوطني للحاسب الآلي، الهيئة الوطنية للتعليم الأهلي بالغرفة التجارية، وغيرها من الهيئات ذات الاتصال المباشر بالعملية التعليمية التربوية.
4 – العمل على وضع خطة تطويرية تهدف إلى الارتقاء بمستوى أداء المدارس وفق مرحلية مناسبة، وتقديم كافة أنواع الدعم الفني والمهني للمدارس للارتقاء بمستوى أدائها وفق المعايير المطلوبة.
إن قرار إنشاء هيئة تقويم التعليم العام سوف يكون بإذن الله سنداً وعضداً للتعليم الأهلي والحكومي، وسوف تسهم الهيئة بشكل مباشر وفعّال في الارتقاء بمستوى الأداء بالمدارس، ولن تشكل هذه الهيئة عقبة إضافة إلى العقبات الموجودة في سبيل دعم تجويد التعليم الحكومي والأهلي. ولعلنا في المقال المقبل نتحدث عن بعض التحديات والمعيقات التي قد تواجه مشروعات تقويم الأداء وتطويره.
المصدر : جريدة الجزيرة - 23 رجب 1434هـ الموافق 2 يونيو 2013م