فأمّا اليتيم فلا تقهر
د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة
فأمّا اليتيم فلا تقهرمقتل الطفل اليتيم فيصل( مجهول الأبويْن) على يد متبنيه, بعد تبنيه له بأربعة أشهر وتسعة أيام يفتح من جديد ملف الأيتام مجهولي الأبوين عامة, وملف تبنيهم خاصة؛ إذ لا تزال توجد بعض السلبيات التي لم تتداركها وزارة الشؤون الاجتماعية التي نبّهتها لها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في تقرير زياراتها الأولى لمعظم دور الأيتام في المملكة قبل سبع سنوات ,فلا يزال الأيتام الذكور يبقون تحت إشراف وإدارة الدار إلى أن يبلغوا سن 12 سنة, وبعد ذلك يُحالون إلى مؤسسة رعاية الأيتام إلى أن يبلغوا سن 18 سنة, يُخرجون من الدار ليواجهوا مجتمعِا رافضًا لهم بمفردهم دون توجيه أو إشراف, أو سابق إعداد, وقد يكون منهم من لم يكمل دراسته الثانوية بسبب تراجعه الدراسي نظراً لظروفه الاجتماعية, وهذا له أثر سلبي ينعكس على شخصيته وحياته ومستقبله.
والصدمة الأكبر عندما يكون هذا الطفل من أم يتيمة مطلقة؛ إذ يُنتزع من حضن أمه, ليودع في دار أخرى, بدلًا من إسكان هذه الأم وأطفالها في سكن مستقل, وتأمين لها عمل تعيش منها هي وأطفالها.
كما هذا الإجراء يتعرض له أيضًا الأيتام الذكور الذين يُطبق عليهم نظام الأسرة البديلة المكونة من أم بديلة وإخوة وأخوات أيتام يعيشون في شقة واحدة, يُصرف لكل أسرة مصروف شهري, وتوجد خالة بديلة تجلس مع الأطفال فترة إجازة الأم البديلة التي تمضيها مع أسرتها, فعند بلوغ الذكر سن 12 سنة يُنزع من هذه الأسرة ,ومن الجو الأسري الذي عاشه, إلى دار أخرى ليعيش مع أُناس غرباء عنه, وقد يُنقل إلى مدينة غير مدينته ,ومنطقة غير منطقته؛ ونحن نعرف اختلاف اللهجات والعادات والتقاليد من منطقة إلى منطقة أخرى ممّا يكون له بالغ الأثر على حالاتهم النفسية واختلاف اللهجات يؤثر على تقييم ذكائهم, فإذا لم يفهم الواحد منهم السؤال لاختلاف اللهجة, يُقيّم بمستوى ذكاء متدنٍ, كل هذه الاعتبارات الأساسية لم يرعها مسؤولو هذه الدور, فالمهم عندهم أن يُغطوا نقص بعض الدور من عدد الأيتام, ويحلوا مشكلة تكدّس بعض الدور.
.ونأتي الآن إلى ملف التبنّي الذي كشف ما به من ثغرات مقتل الطفل» فيصل» على يد متبنّيه بعد 4 أشهر و9 أيام من تبنّيه له فقد صرّحت الأستاذة سمها الغامدي مديرة عامة الإشراف النسائي الاجتماعي بمنطقة الرياض لبرنامج يا هلا, أنّهم زاروا الطفل فيصل وهو في بيت متبنيه مرة واحدة, مكتفين بالسؤال عنه بالتليفون في حين نجد مدير عام العلاقات العامة والإعلام الاجتماعي والمتحدث الرسمي باسم الوزارة الأستاذ خالد بن دخيل الله الثبيتي ذكر في رسالته لعكاظ بعد حديث الأستاذة سمها لبرنامج «يا هلا» أنّ جهة الإشراف تابعت الطفل ثلاث مرات بعد إسناد كفالته للأسرة المتبنية بتاريخ 21/3/1434هـ موثقًا لها بتواريخ مواعيدها, المتابعة الأولى كانت في 17/4/1434هـ، والمتابعة الثانية في 10/5/1434هـ، والمتابعة الثالثة في 24/5/1434هـ , ولم يظهر خلال هذه المتابعات أي أمر مريب تجاه الأسرة، إلى أن تلقت جهة الإشراف نبأ وفاته بتاريخ 30/7/1434هـ أي بعد شهرين من آخر متابعة للأسرة.
وبغض النظر عن تضارب أقوال المسؤوليْن بوزارة الشؤون الاجتماعية, مع أنّي أميل إلى صحة قول الأستاذة سمها لأنّها أجابت بصدق عندما فوجئت بتوجيه السؤال لها, ولو فرضنا أنّها كانت ثلاث زيارات, فهي لا تكفي؛ إذ كان لابد أن تكون ثلاث مرات في الأسبوع في الستة الشهور الأولى من التبني, مع فحص فريق الزيارة الطفل للتأكد من عدم تعرضه لأي نوع من العنف, وأن تكون الزيارات مفاجئة, وليست بسابق موعد, كما هي الآن, وأن يْعرض الطفل المتبنى كل شهر على طبيب نفسي, وأخصائي اجتماعي للتأكد من عدم تعرّضه لأي عنف بدني أو لفظي أو نفسي.
ثمّ أنّ البيْت الذي كان يعيش فيه الطفل مع أسرته الجديدة غير لائق بحياة كريمة طبقًا لوصف الطبيب الشرعي الدكتور مشهور الوقداني للبيت عند معاينته لموقع الجريمة, والمفروض أن يوضع هذا في الاعتبار, خاصة أنّ الوزارة تصرف مكافأة شهرية ألفي ريال للطفل المُتبنى, ففقر الأسرة قد يكون سببًا في التبني لتستفيد من الألفي ريال في نفقاتها الخاصة بها بدلًا من إنفاقها على الطفل, أو توفيرها له, ليجد مبلغًا يعينه على مواصلة حياته عندما يقدم على الزواج, أو عند رغبته في عمل مشروع استثماري صغير.
كما من الخطأ الاكتفاء بشهادة حسن سيرة وسلوك من جهة عمل المتبني؛ إذ لابد من اتباع آليات أخرى للتأكد من أنّه شخصية سوية ولا يتعاطى مسكرات ولا مخدّرات, وكذلك التأكد من سلامة سلوك الزوجة, وحسن تعاملها, فالأستاذة سمها والمتحدث الرسمي عن الوزارة لم يشيرا إلى أي إجراء بشأن التأكد من سلوك وسلامة شخصية الأم المتبنية, مع أنّ الأستاذة سمها ذكرت أنّ الأم هي المسؤولة أمامهم عن الطفل المُتبنّى, وكما يبدو فإنّ وزارة الشؤون الاجتماعية لم تأخذ بتوصية الوفد النسائي بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في تقرير زيارته التي قام بها بتاريخ 24/7/1432هـ الموافق 26/6/2011 لدار الحضانة الاجتماعية بالدرعية لرصد ومتابعة شؤون منسوبيها خصوصًا الأيتام: وهي المتعلقة بتكثيف الجهود الرقابية على الأسر البديلة وعلى وضع الطفل للتأكد من تكيفه مع الأسرة وعدم تعرضه للأذى وإتباع آلية واضحة في هذا الشأن على أمل أن تشمل اللائحة الجديدة تنظيماً متكاملاً بذلك, وما حدث لفيصل- رحمه الله – كشف أنّ ثغرات إجراءات التبنّي لا تزال قائمة, وقد جاءتني رسالة من إحدى اليتيمات عبر بريدي اليكتروني بتاريخ 11/7 /2013 تتحدث فيها عن بعض هذه المعاناة, واستوقفتني كلمتها» نحن نُعامل كأنّنا سجينات», وأُذكّر القائمين والقائمات على دور الأيتام بقوله تعالى( فأمّا اليتيم فلا تقهر) .
المصدر : جريدة المدينة - 8 رمضان 1434هـ الموافق 16يوليو 2013م