كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1230

لعل أهم نقطة في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي عن المملكة، أن وظائف القطاع الخاص السعودي لا تزال أقل من الطلب. وهذا وحده يطرح إشكالية قديمة متجددة حول الوتيرة التي تمضي بها مسيرة توطين الوظائف وتشغيل الخريجين، وإيجاد فرص عمل تتلاءم مع مخرجات التعليم دون أن تنال من حراك القطاع. مع ضرورة الاعتراف بأن مخرجات التعليم في السعودية لم تصل بعد إلى التناغم الكلي مع احتياجات سوق العمل، ولا شك في أنها تستغرق وقتاً ليس قصيراً للوصول إلى المستوى الإيجابي في هذا المجال. غير أن هذه الثغرة، لا تعفي القطاع الخاص من مسؤولياته الاجتماعية، خصوصاً في ظل القوانين والتشريعات الحكومية المتواصلة (والمتجددة أيضاً) التي تصب في دعم القطاع الخاص، فالحكومة تنتظر في النهاية عائداً ليس إنتاجياً فقط، بل اجتماعي أيضا.

إنها مسألة، هي بالتأكيد ليست سهلة الحل، لكن التعاون المباشر والواضح للقطاع الخاص فيها، سيختصر الكثير من الزمن للوصول إلى الحالة المُرضية لكل الأطراف. إنها مسؤولية جماعية بين قطاع التعليم، والقطاع الخاص والجانب الحكومي. ومن وجهة نظر وطنية، يجب على القطاع الثاني ألا ينتظر الاستكمال التام لبرامج القطاع الأول، وعليه أيضاً أن يقدم الحوافز التي تساعد القطاع الأول للقفز بسرعات عالية. والتشريعات والتسهيلات الحكومية تسهل المهام على الطرفين، في مسألة التشغيل وخلق فرص عمل حقيقية. تضاف إليها بالطبع، العوامل والمحركات الناجمة عن النمو القوي للاقتصاد السعودي، الذي على الرغم من تراجع العوائد النفطية خلال العام الجاري، يظل قوياً، بتعدد وتجدد محركات الاقتصاد ككل. هذا النمو لا يرقى إلى وتيرته حتى في البلدان التي التصق حراكها بنمو مستدام وقوي ومتسارع.

إن أي نمو لأي اقتصاد، يرفع تلقائياً المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص فيه. وكثيراً ما يخلط أولئك الذين لا يرغبون في لعب دور عملي وواقعي ووطني في هذا المجال، بين المسؤولية الاجتماعية للقطاع، وبين ”المفهوم الرعيي” لها. فحتى في كثير من الدول المتقدمة التي تعتمد اقتصاد السوق بأشكال متفاوتة، تشجع (بل تحفز) حكوماتها القطاع الخاص، للقيام بدوره المباشر في هذا المجال الاجتماعي الحيوي. والمسؤولية الاجتماعية لا تنحصر في تقديم التبرعات أو إطلاق المبادرات الخيرية فقط، بل تستند أساساً إلى توفير فرص العمل الملائمة والحقيقية. هناك كثير من فرص العمل الوهمية التي يوفرها القطاع الخاص، وهي غالباً ما تُطلَق للاستهلاك الإعلامي، أو لسد ثغرات آنية وليست مستقبلية مستدامة.

على كل حال، تقرير ”صندوق النقد” أثار قضية مثارة أصلاً على الساحة السعودية، لكن هذه المرة جاءت من جهة دولية تهتم بالنمو الاقتصادي العالمي وروابطه الاجتماعية والمعيشية، إلى جانب الاستقرار الذي يوفره في كل المجالات. ورغم أن النمو المتوقع في المملكة مع نهاية العام الجاري، سيكون أقل من مستواه في العام الماضي (بحدود 4 في المائة)، إلا أنه يظل مرتفعاً، ويوفر ضمانات واقعية لدعم الحراك الاقتصادي المحلي بشكل عام، وفي مقدمته حراك القطاع الخاص، دون أن ننسى، استمرار حجم الإنفاق الهائل على البنى التحتية في البلاد، ضمن الخطة الاستراتيجية الشاملة. وأكدت مجموعة العشرين في أكثر من مناسبة، ريادة السعودية في مجال الالتزام بتعهداتها المحلية والخارجية، حتى أنها تفوقت في ذلك على دول متقدمة راسخة. والتعهدات الخارجية، هي نقطة لفت إليها تقرير”الصندوق”، وفي مقدمتها بالطبع، دور المملكة في دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي، من خلال سياساتها النفطية التقليدية، التي تستند إلى أهمية استمرار التوازن في السوق النفطية بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 22 رمضان 1434هـ الموافق 30 يوليو 2013م