- جريدة الجزيرة 21 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق 4 مارس 2013م

عدد القراءات: 1334
حسن اليمني – جريدة الجزيرة

يكرِّر الحكماء مقولة «إن التشخيص ثلاثة أرباع العلاج». وفي المجال الطبي فإن التشخيص الدقيق لا يحتاج إلى إمكانات تقنية وطبية متقدمة وضمير إنساني يقظ فقط بل إلى تنظيم طبي متقدم قادر على ترتيب الأولويات وتبويب المهام بالشكل الذي يحقق العلاج الناجع.

ومن العجب أن نرى في بلادنا المدن الطبية العملاقة والمشافي المتخصصة، ورغم ذلك لا نرى الرضا من قِبل المواطنين بالشكل الذي يتناسب وما هو موجود من إمكانات. وقد تعلل وزارة الصحة ذلك بعدم تناسب عدد المتخصصين أو السرر الطبية مع الاحتياجات؛ ما يخلق حالة من الارتباك والبطء في تلقي الخدمة، وهو ما يثير استياء الناس. وقد يكون في هذا التعليل أو التبرير صحة، لكنه غير مقنع باعتبار أنه إذا كان هذا التعليل أو التبرير صحيحاً ومعلوماً فلماذا لم يتم علاجه حتى الآن؟ وما الذي تحتاج إليه وزارة الصحة لحل مشكلة هذا الخلل التناسبي المزعوم؟ وهل تم فعلاً وضع خطة مجدولة للوصول بالخدمات الطبية إلى المستوى المرضي على الأقل ولا نقول المثالي؟ أغلب الظن أن كل ذلك لم يتم، بل ربما لم تصل وزارة الصحة لمثل هذا التبرير أو التعليل في مقابل السخط وعدم الرضا من قِبل الناس على ما تقدمه وزارة الصحة من خدمات طبية هي في نظر الكثيرين متواضعة وتحتوي كثير من الأخطاء الطبية القاتلة أحياناً.

إن المدن الطبية والمشافي التخصصية التابعة لوزارة الصحة، وإسنادها بمشافٍ ومدن طبية عسكرية إضافة إلى مشافي القطاع الخاص بمجموعها لا تملك حتى الآن العدد المطلوب من الأسرّة الطبية الذي يتناسب وحجم السكان. وإذا أخذنا في الاعتبار الجانب الجغرافي فربما نجد أن ثلاثة أرباع الوطن خالية من الخدمات الصحية باستثناء العيادات الأولية التي لا تملك كثير منها أكثر من إمكانية إسعاف الجروح الخفيفة وحالات الصداع والزكام، ومع هذا لا يمكن إنكار قيمة ما هو متوافر وإن طلبنا المزيد، إلا أن القضية – باعتقادي – هي في جانب آخر ومختلف جداً عن هذه الحسابات الشكلية أو الظاهرية. المشكلة أراها في باطن العملية الخدمية ومضمونها.

نعرف أن كل مشفى أو مدينة طبية يوفر لها المختبرات كافة ذات التقنية المتقدمة، لكنها – وبكل أسف – لا تفي بحاجة التشخيص السريع لشغلها بحاجات المشفى ومرضاه، أي أنها خصصت لخدمة المنومين وأصحاب المواعيد في ساعات العمل المحددة، لتبقى خارج الخدمة بعد نهاية الدوام الرسمي، وهذا يعني تكدس حالات التشخيص والاضطرار لتنظيمها حسب مواعيد زمنية متباعدة. وإذا علمنا أن كثيراً من الحالات المرضية يسهل ويمكن علاجها لو تم اكتشافها سريعاً فإن التأخير الناتج من بطء وتأخر التشخيص يراكم الأعداد ويفاقم الأمراض ويزيد من صعوبة العلاج. وإن أضفنا لذلك عجز الأسرّة الطبية عن كفاية المحتاجين فقد أضفنا عبئاً على عبء. وإذا زدنا هذه الأعباء بالجانب الجغرافي وانتقال البعض من الأطراف إلى مناطق التجمع الطبي

فقد زدنا حالات التكدس، وأصبحنا في حالة مزرية من سوء الخدمة الصحية، وهذا ما يشتكي منه الكثيرون.

إذن، أولى المهام التي أراها ملحّة على وزارة الصحة – وهم بالتأكيد يملكون الخبراء في الإدارة والتنظيم – هو أن يولوا مهمة التشخيص – أكرر التشخيص – العناية الفائقة، بحيث تصبح فورية وبشكل سريع، من خلال توفير المعدات والتقنيات الطبية الدقيقة والمتقدمة، وتقسيمها إلى قسمين، قسم يخدم المنومين، وآخر يخدم العيادات الخارجية والطوارئ، مع ضمان عملها على مدار الساعة، بما في ذلك أيام العطل الأسبوعية. وإذا قيل إن هذا سيكون له كلفة مادية قد ترهق موازنة وزارة الصحة قلنا: إن أرواح البشر أغلى وأهم من أموال تصرف في بعض الأحيان فيما هو أقل أهمية وبكثير.

وثاني هذه المهام أن يعتمد توفير الأسرّة الطبية للمحتاجين بشكل فوري، ولو من خلال المشافي الخاصة على نفقة وزارة الصحة، على أن يتكفل المشفى الحكومي بنقل المريض مجاناً إلى المشفى الخاص دون تحميل المريض أي كلفة أو مسؤولية تتعلق بالشأن التنظيمي أو المالي بين الوزارة وهذا المشفى الخاص.

وبهذا نكون قد وضعنا الحلول المؤقتة لما نواجهه من قصور من قبل وزارة الصحة، ابتداء بسرعة التشخيص التي تقلل من تكاليف العلاج طبياً ومادياً، وليس انتهاء بتوفير العلاج السريع دون حاجة لانتظار يمتد أشهراً، يتفاقم فيها المرض ويتعسر علاجه أو نخسر فيها أرواحاً غالية علينا. وباختصار، نحتاج لتوفير المختبرات الطبية المتقدمة بالشكل الكافي والمتيسرة على مدار الساعة والسرير الطبي اللازم للحالات المحتاجة وليس العاجلة فقط، وهذا وذاك بالتأكيد أكثر أهمية للمواطن من أن يختزن مرضه بانتظار الانتهاء من مشاريع جديدة هنا أو هناك لا يدري هل يعيش ليراها أم لا؟

المصدر : جريدة الجزيرة 21 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق 4 مارس 2013م -