- جريدة الاقتصادية 13 شوال 1434هـ الموافق 20 أغسطس 2013م

عدد القراءات: 955
وليد محمد الحديثي – جريدة الاقتصادية
الجميع يعلم أن خدمات وزارة الصحة مجانية، فحين تزور مستشفى أو مستوصفا أو مركزا صحيا تابعا لوزارة الصحة فإنه سيقدم لك الخدمات العلاجية “إن أمكنه ذلك” مجانا ومن دون مقابل، والمشكلة هنا أن تلك المنشآت الصحية تعاني الإقبال الكبير عليها، ما يجعلها غير قادرة على تقديم خدماتها الصحية لجميع المرضى، فإذا كنت مثلا في حاجة إلى عملية جراحية فعليك أن تنتظر حتى تجد سريرا شاغرا، وذلك سيتطلب الكثير من الوقت، وإذا كنت تريد زيارة الطبيب لإصابتك بمرض عادي وكنت سعيد الحظ واستطعت أن تجد فرصة الكشف الطبي فمن المرجح أنك لن تجد الدواء وعليك حينها أن تشتريه من الصيدليات التجارية، إن الجميع يعلم أن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة تعاني لأن عدد المرضى يفوق قدرتها الاستيعابية، وذلك بدوره أسهم بشكل كبير في تدني مستوى الخدمات الصحية لديها، فتجد الطبيب يكشف على مرضاه تحت ضغوط هائلة، ما يزيد من احتمالات حدوث الأخطاء الطبية، وإنني لا أعلم، لكني أعتقد أن الطبيب يتمنى أن “يطفش” المرضى منه وسيكون سعيدا بهروبهم إلى طبيب آخر أو مستشفى آخر، وذلك لأنه لن يخسر شيئا إذا حدث ذلك، كما أنه لن يكسب أي مكاسب إضافية إذا اصطف المرضى بالطوابير أمام عيادته، كذلك الصيدلي لن يخسر شيئا إذا كان هناك نقص حاد في الأدوية ولم يجتهد كي يوفره بأسرع وقت ممكن.

هناك مبدأ إداري رائع يمكن أن يساعدنا على تطوير أعمال مستشفيات وزارة الصحة وهو “توحيد المصالح”، وهذا المبدأ يقوم على أساس توحيد مصلحة الموظفين الشخصية مع مصلحة المنشأة فيسعى الموظف إلى تحقيق مصلحته الشخصية فيحقق مصلحة المنشأة، وذلك مثل العمولات لمندوبي المبيعات كلما باع المندوب أكثر استحق عمولة أكبر، كما يمكن استخدامه للمسؤولين عن ميزانية المصروفات، فكلما وفر في الميزانية بما لا يخل بمتطلبات العمل بما في ذلك “برستيج المنشأة” زادت عمولته، كما تزيد عمولته أيضا إذا استطاع أن يوفر خدمات ومنافع إضافية من دون تكاليف إضافية تقابلها.

ولو نظرنا في تجربة التأمين الطبي لوجدنا أن بعضها يلزم المريض بتحمل نسبة من تكلفة الكشف والعلاج، وهذا كي يسهم المرضى في تكاليف علاجهم، ما يقلل التكلفة على شركات التأمين، إن هذا الأمر قد وفر مبالغ طائلة لشركات التأمين على الرغم من أن نسب التحمل تكون في العادة محدودة.

ولو طبقت وزارة الصحة نظام نسب التحمل على مرضاها وجعلت العائد في تدريب الكوادر الطبية والإدارية، ورفع مستوى الخدمات الطبية للمرضى، ومنح عمولات للأطباء والممرضين بما يجعلهم يفعلون ما يستطيعون لجذب المرضى إلى مستشفياتهم، ويكونون سعيدين بعدد المرضى الكبير، وإن كان عائد نسب التحمل لا يكفي لكل ذلك فيمكن منح العائد السنوي للعاملين في المستشفيات والمراكز الصحية كـ “بونص” سنوي تشجيعي، لو فعلنا ذلك لتقدمت الخدمات الطبية في مستشفيات وزارة الصحة بشكل كبير، خصوصا إذا تم فصل حسابات كل مستشفى وكل مركز صحي على حدة بحيث يستفيد كل من دخله الخاص، وعلى وزارة الصحة أن تترك جميع العائد للمستشفى أو المركز الصحي مهما كان كبيرا ليكون عائده للموظفين، وهنا يجب علينا أن نوفر للمرضى أكثر من خيار لتلقي الخدمات الطبية، فنجاح هذا النظام لا يكون إلا إذا كان للمرضى فرصة للاختيار بين أكثر من بديل، أما في ظل وجود الخيار الوحيد فلن يجد الأطباء والممرضون والموظفون أي دوافع لتقديم خدمات أفضل.

ستبقى هناك مشكلة واحدة وهي مشكلة الفقراء، فهناك فقراء سيرهقهم دفع نسبة التحمل الزهيدة، وهؤلاء يمكن استثناؤهم عن طريق بطاقات خاصة تمنح من الضمان الاجتماعي للفقراء الذين لن يستطيعوا دفع نسبة التحمل المقررة.

وبذلك نحقق المعادلة الصعبة ونخلق ما يجعل الأطباء والممرضين والموظفين على استعداد لتقديم خدمات صحية أفضل لجذب المرضى إلى مستشفياتهم، كما نحقق العدالة بين الأطباء، فالطبيب الذي يكشف على مرضى أكثر يحقق عائدا ماليا أكبر، وقد تكون هذه خطوة جيدة في طريق خصخصة مستشفيات وزارة الصحة ومنح المستفيدين من خدماتها بطاقات تأمين طبي ليكون لديهم خيارات واسعة للحصول على خدمات صحية متقدمة.

المصدر : جريدة الاقتصادية 13 شوال 1434هـ الموافق 20 أغسطس 2013م -