أسامة سعيد القحطاني - جريدة الوطن

عدد القراءات: 955
يجب إصدار قانون تجارة متكامل يغطي أكبر قدر من الجوانب، ويتوافق مع حاجيات الزمن، ويماثل في المستوى أحدث القوانين العالمية، فقد آن الأوان ليصبح الاقتصاد السعودي اقتصادا منظما وحديثا

إن أهم معيار يمكن من خلاله معرفة مستوى اقتصاد ما وتقييمه، هو مدى جودة وقوة قوانين ذلك الاقتصاد، إذ لا يمكن لرجال الاقتصاد أن يحققوا التنمية والنمو الاقتصادي دون أن يترجموا أهدافهم وخططهم الاقتصادية على شكل قوانين ولوائح تنفيذية تتوافق مع تلك الأهداف. كما إن أهم معايير تحديد مستوى المخاطرة التجارية (Risk Assessment) في أي بلد هو النظر لمدى جودة وشفافية قوانين ذلك البلد أولا، ثم مدى الالتزام في تطبيق تلك القوانين ثانيا.

ونظرا للقصور في الثقافة الحقوقية والقانونية لدى بعض التنفيذيين، فإنهم كثيرا ما يعملون بالارتجال أو بالقرارات الوقتية، التي كثيرا ما تكون معارضة لأحد الأنظمة أحيانا، أو ربما لقرارات شبيهة سابقة!، بينما لو ركز أولئك على إصلاح الأنظمة وتحديثها لتتواكب مع الرؤى الاقتصادية الحديثة لكان أجدى بكثير.

شاركت في ملتقى الشرقية التجاري، الذي نظمته الغرفة التجارية بالشرقية مشكورة، كان ذلك بحضور سمو أمير المنطقة ودعمه، وكنت قد تحدثت في الملتقى عن دور الأنظمة التجارية في تنمية الاقتصاد الوطني، وكان هدف الغرفة نقاش كل ما يمكن أن يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني، والحقيقة أن غرفة الشرقية من أنشط الغرف التجارية، ولاحظت كما لاحظ غيري مدى الدقة والمهنية في الترتيب والاهتمام بمشتركيها، والرسالة المطلوبة منها، وأتمنى أن يسهم هذا في مزيد من التنافس بين الغرف التجارية في أنحاء المملكة.

وكان مما تم طرحه في الملتقى، أن ذكرت مدى حاجة البيئة التجارية إلى التركيز على تحديث ووضع المزيد من الأنظمة التجارية، إذ لا يمكن لنظام المحكمة التجارية الذي ربا عمرُه عن 84 سنة أن يبقى كل هذه الفترة دون إصدار نظام تجاري حديث، فقد آن له أن يتقاعد! كيف لنظام لا يُسمي الدولة حتى باسمها الصحيح أن يبقى دون تحديث! فهو يسمى الدولة تارة بالمملكة الحجازية وتارة يتحدث عن بلاد الجزيرة العربية! كما يُسمي جمهورية مصر العربية بالمملكة المصرية، والسودان والهند بالبريطانيتين! وأكثر من ذلك بأنه لا يعرف الريال السعودي العملة الرسمية للبلاد! ومع كل ذلك ما زال يقاوم للبقاء دون تغيير بالرغم من تعاقب وزراء تجارة كُثر! “هناك عدد من أجزاء النظام تم إلغاؤها”.

نأتي لنظام أساسي آخر فيما يتعلق بالأنظمة التجارية؛ إذ نجد نظام الشركات السعودي الذي تجاوز الآن خمسين عاما من الخدمة! وما تزال مسوّدة تعديله التي انتشرت منذ فترة طويلة لم يتم إقرارها حتى الآن! كما نجد الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى تقنين باقية دون مساس! لماذا؟

بنظري أنه يجب إصدار قانون تجارة متكامل، يغطي أكبر قدر من الجوانب، ويتوافق مع حاجيات الزمن، ويماثل في المستوى أحدث القوانين العالمية، ولا يجوز أن يبقى المستثمرون ضحية التخمين والاجتهادات الشخصية بين المحاكم والمسؤولين، فقد آن الأوان ليصبح الاقتصاد السعودي اقتصادا منظما وحديثا وشفافا، بالكثير من الأنظمة التجارية الحديثة والمتطورة.

أين نظام الإفلاس؟ وأين نظام حماية الأسرار التجارية للشركات الوطنية؟، وهناك الكثير من الجوانب ما تزال بلا أنظمة للأسف.

عندما يُتابع المختصون الكمّ الهائل من القوانين والمعاهدات الدولية التي تتوالى كل فترة، إضافة إلى توالي تعديلات وإصدارات القوانين لدى شركاء المملكة الاقتصاديين، فإن أقل الواجب أن يتبع ذلك تغييرات وتعديلات في الأنظمة السعودية لتتوافق مع تلك المستجدات وتواكبها، وأحيانا لتواجهها إذا كانت قد تسبب ضررا اقتصاديا لدينا، والسؤال أين مواجهة تلك التغييرات القانونية إذا كانت الأنظمة تعيش لدينا كل تلك السنوات الطويلة؟.

أعتقد أن معالي وزير التجارة مدرك لهذا الأمر جيدا، وقد خطا خطوات كبيرة ومشكورة في التحديث والإصلاح وأدعو له بالتوفيق والسداد. كما أن خادم الحرمين الشريفين قد بدأ مبكرا بالإصلاح القانوني والقضائي وخصص له الميزانيات الكبيرة لأجل ذلك.

ومع كل ما ذُكر، فإن الحق يقال، إننا نعيش في السنوات الأخيرة طفرة في إصدار الأنظمة عموما، إذ صدر نظام القضاء والتحكيم التجاري والتنفيذ وأنظمة الرهن العقاري، وغيرها مدرج في قائمة أعمال مجلس الوزراء حاليا وينتظر الإقرار النهائي بإذن الله، ونتمنى أن يستمر هذا النسَق ويزيد.

عندما يُذكر النمو الاقتصادي فربما يتبادر إلى الذهن مباشرة دولة الصين، إذ حققت أرقاما قياسية في النمو والتنمية الاقتصادية، خاصة إذا ما قرنّا ذلك بحجم البلد الجغرافي والسكاني، الأمر الذي يزيد من صعوبة التنمية ويعقد المشاكل، إلا أنها حققت أرقاما قياسية بالرغم من ذلك.

من أهم مقوّمات ذلك النمو، ما قامت به الصين فيما يُسمى بحقبة الإصلاح القانوني، التي كانت ما بين 1978 إلى 1985 تقريبا، إذ تم في تلك الحقبة توسيع ملكية الفرد وأحقيته في الاستثمار والمشاركة، كما صدرت في تلك الفترة الكثير من القوانين لم تكن موجودة مثل قانون الإفلاس وقانون العقود وغيرها كثير، كما قاموا بتحديث الدستور مرتين، وهكذا تم البدء بالتحديث القانوني أولا، وهو الذي كان قاعدة للانطلاق الاقتصادي العظيم.

كلنا أمل في أننا في طريقنا نحو دولة القانون والحقوق، وقد بدأت الخطوات الأولى وستكون النهاية الوصول لتلك الغاية قريبا بإذن الله تعالى.

المصدر : جريدة الوطن - 21 ذو القعدة 1434هـ الموافق 28 سبتمبر 2013م