حل المشكلة الإسكانية في إطار قوى السوق العقارية
د. عبد العزيز الغدير - جريدة الاقتصادية
مجموعة من الأصدقاء والزملاء تتمنى كتلة منهم، وهم ممن يملكون أراضي ومنشآت عقارية، انتعاش القطاع العقاري وتداول الأراضي والمساكن، بينما تتمنى كتلة أخرى أن ينهار القطاع العقاري لتنخفض أسعاره بشكل حاد ليتمكن المواطن من شراء المسكن الملائم بأسعار معقولة.
الذين يتمنون انهيار أسعار العقارات وضرورة تدخل الحكومة لتحقيق ذلك يظنون أنه لا حل للمشكلة الإسكانية إلا هذا الحل، بينما يرى الذين يتمنون انتعاش السوق العقارية أن المشكلة الإسكانية يمكن حلها دون تحطيم أسعار العقار الذي يشكل الملجأ الآمن لكثير من المواطنين لحفظ أموالهم وتنميتها، وأن السبب الرئيس للمشكلة الإسكانية يتمثل في منح الدولة معظم أراضيها لقلة من المواطنين من أصحاب النفوذ والحظوة لأسباب متعددة، وأن الدولة يمكن أن تحل المشكلة عن طريق التمويل الفعَّال.
أحد الذين يعانون صعوبة تملكهم مسكنا يقيهم دفع الإيجارات العالية قال، إن متوسط دخلي الشهري في ظل التضخم الذي نعيشه في أسعار المواد الغذائية وأسعار الخدمات لا يمكنني من شراء المنزل حتى إن بلغت من الكبر عتيا. ردَّ عليه آخر، ممن لا يرون حل المشكلة الإسكانية في تحطيم أسعار العقارات، بأنك لن تستطيع شراء المنزل حتى قبل ارتفاع الأسعار وتضخمها، وأن مشكلة انخفاض نسبة تملك المساكن في المملكة بدأت قبل تضخم أسعار العقار بعد عام 2006 عندما توجهت السيولة المالية الهائلة المتوافرة من ارتفاع أسعار النفط من سوق الأسهم إلى سوق العقار، والتي تضخمت أيضاً بسبب انخفاض القوة الشرائية للدولار نتيجة سياسات التيسير الكمي التي تنفذها الولايات المتحدة حيث الأموال الجديدة المنشأة إلكترونيا.
من جهتي، أكدت أن بلادنا لا تشهد مشكلة إسكانية حقيقية كندرة المعروض من المساكن، أو ضعف القدرة الإنتاجية للوحدات السكنية، حيث القدرة الهائلة على تلبية الطلب واضحة وإنما المشكلة الحقيقية هي مشكلة ثقافة سكنية، ومشكلة بدائل تمويلية تمكن المواطن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب في مقتبل العمر. والملائم هنا أعني بها أن يكون ملائما لعدد أفراد الأسرة وأعمارهم، إذ لا يعقل أن يسكن حديث الزواج دبلكس أو فيلا بينما هو في حاجة إلى شقة صغيرة تكفيه لعشر سنوات قادمة وخصوصا أن حجم الأسرة السعودية بدأ بالتقلص كنتيجة حتمية للحياة المدنية وارتفاع تكاليف الحياة والتحول من الكم إلى النوع.
وأضاف أحد الرافضين لتدخل الحكومة للتأثير سلباً في أسعار العقارات التي تحددها قوى عناصر السوق العقارية، أن التضخم شمل أسعار النفط التي ارتفعت أضعافا مضاعفة خلال السنوات العشر الماضية، كما شملت ارتفاع أسعار السيارات والمواد الغذائية ومواد البناء، وأن المواطن تكيف مع كل ذلك بشراء المناسب لقدراته، فهناك من يشتري سيارة صغيرة ودون مواصفات بما يتناسب ودخله، وهناك من يشتري سيارة فخمة تناسب دخله أيضا، وهناك من هو بين هذا وذاك في ظل وجود بدائل تمويلية فعالة، فلماذا لا تشيع ثقافة شراء الملائم من المساكن من جهة، ولماذا لا تتعدد البدائل التمويلية كحل مثالي من جهة أخرى بدل العمل على تحطيم السوق العقارية لحل المشكلة الاسكانية، حيث يمكن للدولة أن تتدخل تنظيميا ومالياً لتطوير آليات وبدائل تمويل فعال تمكن المواطن من تحويل الإيجارات التي يدفعها إلى غير رجعة إلى أقساط شهرية لشراء المسكن الملائم، كما تستطيع دعمه مالياً لتخفيف قيمة القسط الشهري لكيلا يثقل كاهله ويبقى في الحدود المعقولة.
وقال إنه مع الأسف الشديد نعاني في الدول النامية ذات الأسواق الناشئة عدم القدرة على إيجاد حلول لفئة أو لمشكلة دون توليد مشكلة لفئة أخرى، فكثير من الدول العربية على سبيل المثال لا تستطيع تحقيق الأمن لمواطنيها إلا بانتهاك حقوق الإنسان من خلال تطبيق القوانين الشديدة بتعسف، بخلاف الدول المتقدمة التي توجد أعلى درجات الأمن مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان مهما كان، وبالتالي فإننا نفكر في حل المشكلة الإسكانية التي تعانيها فئة السكان على حساب فئة أخرى بتخفيض قيمة عقاراتها وتحطيم أسعارها وتدمير استثماراتهم، وهو أمر غير مقبول بتاتاً إذ على الدولة أن تتعاطى مع عناصر السوق بكل عقلانية وتحفز وتدعم بذكاء انتقائي يحل المشاكل دون توليد مشاكل أخرى.
وقلت ماذا لو علمنا أن أحد أسباب المشكلة الإسكانية عدم سماع القائمين على هيئة الإسكان، التي تحولت إلى وزارة إسكان فيما بعد، لنصائح المستشارين إلا بعد أن توجهت لبناء المساكن وتوزيعها على المواطنين رغم أن نصائح المستشارين لعدم التوجه لذلك لأن المؤشرات كافة تقول بفشل هذا التوجه، وهو ما أضاع سنوات طويلة كان من الممكن الاستفادة منها في رفع نسبة تملك المواطنين من خلال الخيار الذي اتجهت له الوزارة حالياً عبر القيام بتطوير الأراضي المنح وتوفير القروض الملائمة ودعمها بأنظمة تمويل من خلال القطاع الخاص يدعم القدرة الشرائية للمواطنين.
أيضا هناك حلول أخرى تتمثل في تغير مواصفات السكن والتحول للمساكن قليلة التكلفة التي بدأت كثير من الدول في تطويرها، ولقد رأيت في دولة الفلبين أسلوب بناء المسكن بالتركيب بقواعد بسيطة ويمكن نقل هذا المسكن لأي موقع آخر بعد تفكيكه ونقله دون خسارة أي مادة من مواد البناء، وبالتالي لو فكرنا في بدائل وحلول ابتكارية وذكية سنجد الكثير من الحلول دون الحاجة إلى التدخل لتحطيم أسعار السوق العقارية التي تتفاعل مع التضخم والسيولة بشكل كبير وبأسعار النفط بشكل واضح.
ختاما أتمنى أن يقام مؤتمر سنوي للإسكان يتم خلاله طرح الحلول الابتكارية لمعالجة المشكلة الإسكانية على مدى طويل دون التدخل في أسعار العقارات وتركها لمعطيات السوق في إطار نظام يمنع التلاعب بأسعارها بطرق غير نظامية كما هو معمول به في سوق الأوراق المالية أو ما هو مقارب له.
المصدر : جريدة الاقتصادية - 18 ذو الحجة 1434هـ الموافق 23 أكتوبر 2013م