منى يوسف حمدان - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1255

السرطان.. والمراكز العلاجية المحدودةالسرطان مرضٌ يصعب على كثير منّا ذكره، أو النطق باسمه، المرض قدرٌ كتبه الله على مَن يشاء من عباده.. وما زال في ذاكرتي ذلك الوجه المضيء بإيمانٍ كبير، حيث كانت تحكي لي قصة معاناتها مع المرض، كيف بدأ وكيف تعايشت معه، إلى أن قضى الله أمرًا كان مفعولا.

الحياة والموت بيد الله، ولن يموت إنسان قبل أن يستوفي أجله ورزقه، وما يهم في هذه الدنيا «الرضا» بما قَسَمَ الله لنا، بحثتُ عن نسبة مرض السرطان في مجتمعنا السعودي، وإذ بها في تزايد، والإصابة به لا تقتصر على فئة دون أخرى.

فهل لنا أن نتساءل عن أسبابه وكيفية معالجته والتعايش معه -إن قدَّر الله وأصيب إنسان به-؟!

لقد خُصِّص شهر أكتوبر من كل عام للتوعية بمرض سرطان الثدي، والذي يصيب النساء والرجال ولكنه عند النساء أكثر.

تساءلت عن درجة الوعي الذي وصل إليه مجتمعنا، وما هي المعلومات التي نمتلكها عن هذا المرض؟! في كثير من مدارسنا وجامعاتنا ومراكزنا الثقافية ووسائلنا الإعلامية ما زلنا فقراء بالمعرفة الكافية عنه، كم من امرأة لم تدرك خطورة هذا المرض، ولم تُكلِّف نفسها أن تتعلَّم كيف تكشف على نفسها ذاتيًا، وبوسيلة متاحة لكل امرأة.

في أحد المراكز التجارية في المدينة النبوية شاهدتُ بعيني مقرًا للجنة توعوية بهذا المرض، ولكن للأسف كان المقر مغلقًا، فهل نحن بحاجة إلى مقرّات لا تُفعِّل أدوارها أمام عامة الناس وخاصتهم؟!

استوقفني كثيرًا أن عدد المراكز التي تعالج مرضى السرطان عندنا محدودة للغاية، بل ربما لا يوجد إلا مقر واحد في العاصمة الرياض، فهل سيبقى مرضى السرطان يعانون ويتألمون ويكابدون عناء السفر والمشقة وهم يتنقلون من كل منطقة في أرضنا الشاسعة الأطراف بحثًا عن العلاج؟!

نحن بحاجة إلى مراكز متعددة في كل منطقة من المناطق الكبرى، في الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، ويبقى المستشفى التخصصي بالرياض لعلاج مرضى المنطقة الوسطى.

ففي بلدٍ مجاور لنا -وبمشاركة مجتمعية كبرى- استطاعوا أن يبنوا مستشفى لعلاج سرطان الأطفال، والإعلانات يوميًا وعلى مدار الساعة تحثُّ الناس في كل أرجاء الأرض لدعم هذا المستشفى.

ليس من العيب إطلاقًا أن نتعلَّم من خبرات الآخرين، نحن بحاجة إلى مبادرات وطنية وإنسانية واجتماعية وشراكة حقيقية بين كل القطاعات الحكومية والخاصة وكل الشركات والبنوك ورجال الأعمال وعامة الناس والبسطاء، كُلٌّ يُسهم بما تجود به نفسه وحسب طاقته وقدراته، ونحن بحول الله قادرون على أن نُوفِّر لكل هؤلاء المرضى الذين ابتلوا في عافيتهم بأن ينالوا حقهم في العلاج بعيدًا عن الانتظار المميت أو السفر المتعب.

هذا الإنسان يستحق منّا الكثير من الاهتمام، ليس مريض السرطان فقط، بل أيضًا مرضى الفشل الكلوي، وتوفير وحدات للغسيل في كل مدينة من المدن، ومرضى السكر بحاجة أيضًا إلى توفير الرعاية والدعم والعلاج المجاني لهم، حيث إنهم في تزايد مستمر.

نحن بحاجة إلى حملة وطنية توعوية تبحث عن الأسباب والحلول لهذه الأدواء التي انتشرت، لأننا أسأنا إلى أنفسنا في طريقة أكلنا وفي قلة حركتنا جهلًا وتهاونًا في أغلى ما نملك «صحتنا وعافيتنا».. لنتأمَّل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم متّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدًا ما أبقيتنا واجعلها الوارث منا).

المرض يحيل حياة الناس إلى مأساة، ولكن هذا القَدَر في طيّاته رحمات تَتجلَّى من ربٍّ رحيم، يغفر ذنبًا ويكتب أجرًا ويرفع درجات.

رحم الله أمواتًا تحت التراب، عانوا وتعبوا كثيرًا من المرض، وشفا الله كل عليل، وبدل الله الحال إلى أفضل حال.

اللهم بحولك وقوتك ورحمتك لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا ميّتًا إلا رحمته، ولا مُبتلىً إلا عافيته.

نبض الحياة:

في لحظات الألم والوجع يتبين لك مقدار محبة الله لك، وتسخيره نفرًا من عباده يسألون عنك، يطيّبون خاطرك تأنس بهم روحك وتطمئن، وتسكن الأفئدة بقربهم وحبهم وطيب معشرهم، لتدم حياة القلوب عامرة بالحب الصادق، بعيدًا عن كل غايات وأهداف زائلة.

لولا تسخير الله لقلوب المحبين لتحوّلت حياتنا إلى معاناة مريرة في خضم أحزان وهموم ومشاغل لا تنتهي.

المصدر : جريدة المدينة - 19 ذو الحجة 1434هـ الموافق 24 أكتوبر 2013م