كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1561

توَّج خادم الحرمين الشريفين المنظومة القضائية السعودية بتعديلات جذرية لترسيخ العدالة القضائية وتفعيل دور المحاكم في تطبيق الشرع والنظام في القضايا الحقوقية والجنائية والإدارية، وذلك بإعادة إصدار ثلاثة أنظمة ذات صبغة إجرائية، هي: نظام المرافعات الشرعية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم، ونظام الإجراءات الجزائية، فبعد أن اطلع -حفظه الله- على ما انتهى إليه مجلس الوزراء أصدر المراسيم الملكية اللازمة بالموافقة على هذه الأنظمة، ولاحظ المتابعون لهذا الشأن أنه -حفظه الله- وجّه بسرعة عرض هذه الأنظمة على مجلس الوزراء والانتهاء من دراستها من أجل سنها وتقديمها للجهات القضائية والتنفيذية للعمل بموجبها والتوافق مع نصوصها وهي مرحلة انتظرها الجميع، لأنها تعتبر تطويراً قانونياً تنظيمياً شاملاً.

لقد رسمت هذه الأنظمة طريق الاستئناف في القضاء العادي والإداري والجنائي باعتباره مرحلة ذات صيغة جديدة في الترافع، تحرياً للعدالة بل درجة قضائية جديدة لم تكن في الهيكل الإداري للقضاء السعودي، وهذه بلا شك مرحلة بالغة الأهمية من مراحل مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء؛ ليشمل جميع مكونات المنظومة القضائية، وهي مرحلة سبقها إصدار نظامين في غاية الأهمية هما نظام التنفيذ ونظام التحكيم، وهما نظامان مكملان لمنظومة العدالة القضائية ويسهمان في ترسيخ دعائم الحق والعدل والأخذ بما يحفظ الحقوق ويصونها وتمكين كل مَن وقعت عليه مظلمة من المطالبة بحقه أمام قضاء يتوافر فيه الاستقلال والضمانات الكافية لإيصال الحق إلى مستحقه بعدالة سريعة.

أيضا نهجت هذه الأنظمة طريق التخصُّص النوعي للمحاكم وتنوعها بحسب أنواع القضايا والمنازعات فهناك محاكم مدنية للأحوال العينية، وهي المحاكم العامة ومحاكم الأحوال الشخصية وهي أيضا محاكم مدنية، لكنها متخصّصة في الأحوال الشخصية أو قضايا الأسرة، ونوع آخر من المحاكم وهي المحاكم الجزائية، إضافة إلى المحاكم العمالية والمحاكم التجارية، وبيّنت آلية العمل التنفيذية لنظامَي القضاء وديوان المظالم مراحل الانتقال والكيفية التي سيتم بموجبها الفصل في الاختصاصات ونقل الكوادر القضائية والمدة الزمنية لذلك، وهو ما سينعكس إيجاباً على سرعة البت في الدعاوى، لأن التخصُّص الدقيق سوف يكون عاملاً مساعداً للقضاة والمتقاضين في معرفة الحكم وتوقعه، بسبب وضوح المبادئ في القضايا المماثلة.

إن من الواضح في الأنظمة الجديدة مراعاة حقوق المرأة بسرعة الفصل في منازعاتها ومنح المحكمة سلطة الإحضار الجبري للمتخلف عنها، فهناك معاناة لا يمكن تجاهلها في هذه القضايا، ولذا فقد تم تخصيص محاكم لها لأهميتها وتأثيرها في الأسرة والمجتمع، ومن هنا فإن سرعة الفصل في الدعاوى التي ترفعها المرأة في المنازعات الزوجية والحضانة والنفقة والزيارة والعضل تحقق العدالة السريعة مع منح المحكمة سلطة الأمر بالإحضار الجبري في حال تخلف المدعى عليه في تلك المنازعات، إضافة إلى أن للمرأة الخيار في إقامة دعواها في بلدها أو بلد المدعى عليه، مع مراعاة جانب تيسير الإجراءات الجزائية في حقها إذا كانت متهمة.

ولأن تناول إيجابيات هذه الأنظمة يحتاج إلى عرض دقيق، لكي نعطي لهذه الأنظمة حقها من التناول وهو ما يتجاوز حدود هذه الكلمة، فإن خير ما نختم به أن هذه الأنظمة وضحت إجراءات الاعتراض أمام المحكمة العليا والمحكمة الإدارية العليا اللتين تم إنشاؤهما بموجب نظامَي القضاء وديوان المظالم، وأكدت الأنظمة الثلاثة على حق الدفاع للمتقاضين في نظام الإجراءات الجزائية الذي لم يقتصر على إقرار حق المتهم في الاستعانة بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتَي التحقيق والمحاكمة، بل إنه ارتقى في تطبيق معايير المحاكمة العادلة إلى أن جعل لكل مَن ليست لديه مقدرة مالية الحق في أن يطلب من المحكمة انتداب محام للدفاع عنه على نفقة الدولة، كذلك تم تحميل الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية المستقلة مسؤولية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الإدارية.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 21 محرم 1435 هـ الموافق 25 نوفمبر 2013م