د. محمود إبراهيم الدوعان - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1832
أسعدني الخبر الذي ورد في جريدة المدينة يوم السبت 4 صفر 1435هـ والمعنون بـ ” 600 طالب يتسابقون للمشاركة في نظافة البيت العتيق” يمثلون 60 مدرسة للمرحلتين المتوسطة والثانوية لنظافة المسجد الحرام. ذكرني هذا الخبر بالأيام الخوالي التي كنت أقضيها بمرافقة والدي – رحمه الله – لأيام الصيفية في طيبة الطيبة بجوار الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – والتمتع بالصلاة في مسجده الشريف، والتشرف بالسلام عليه في كل يوم، والنهل من العلوم المختلفة التي كانت تقدم كل صباح ومساء في مسجده الشريف.
كان الحرم آنذاك عبارة عن جامعة مصغرة فيه الكثير من العلماء الأفذاذ البارعين في كثير من العلوم الشرعية يقدمها نخبة من العلماء المشهود لهم بالعلم الغزير : أمثال الشيخ ابن باز، والشيخ عطية محمد سالم، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ شيبة الحمد ، والشيخ عمر فلاته – رحمة الله عليهم أجمعين – وغيرهم كثير من العلماء العاملين الذين أفردوا جزءاً من أوقاتهم للتدريس في المسجد الشريف من بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء، وبعد صلاة العشاء بفترة وجيزة ( نصف ساعة تقريبا) تبدأ عملية تنظيف الحرم، كنس الفرش بالمكانس العادية ذات اليد الطويلة (قبل وجود الأجهزة الكهربائية)، ونظافة قواعد الاسطوانات بالمسح المتقن، ومسح الممرات، ونقل المخلفات خارج الحرم، كل ذلك العمل الدؤوب يقوم به الجميع بدون استثناء سعودي وغير سعودي، ومن السعوديين كبار الشخصيات في المدينة المنورة من مديري العموم وكبار الموظفين والصغار والكبار باذلين كل الجهد والاهتمام وهم في غاية السعادة لأنهم حريصون على نظافة هذا المكان الطاهر المبارك وإظهاره بالمكانة اللائقة التي يجب أن يكون عليها مسجد حبيبهم صلى الله عليه وسلم.
إنها دعوة موصولة لجميع القطاعات الحكومية بأن يكون لديها اهتمام بالعمل التطوعي المنظم، وتفعيل دوره في خدمة المجتمع، والاستفادة من قدرات شبابنا الطموحين
خدمة الحرمين الشريفين شرف عظيم لا يدركه إلا من يعرف مكانة هذين البيتين العظيمين بيت الله العتيق ومسجد نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم. وقد كان العمل التطوعي في مكة المكرمة أو المدينة المنورة يتسابق عليه الناس طلباً للأجر والمثوبة من الله وإذلالاً لنفوسهم الأمارة بالسوء وبعداً عن الكبر الذي تخلفه الكراسي الزائلة والمناصب الفاقدة التي لا تجلب إلا الهم والغم إذا لم يحسن الإنسان التصرف فيها.
وقد كان لأهل مكة سابقاً ( قبل عمل قنوات تصريف السيول) عمل جميل، فعندما يأتي السيل ويدخل الحرم ويغطي معظم أجزائه بالطين والرمل، عندها تجتمع حواري مكة المحيطة بالحرم وتوزع أجزاؤه بين حواريها كل حارة تأخذ نصيبها من التنظيف مما خلفه السيل من خراب لحق بالبيت العتيق، ويبدأ العمل ليل نهار وبدون توقف من الجميع حتى يتم تنظيف الحرم مما لحق به وإعادته أفضل مما كان.
مشاركة أبناء مكة في نظافة البيت العتيق – زاده الله رفعةً ومهابةً وتشريفاً – هي خطوة رائدة على الطريق تحسب لمدارس مكة والقائمين على هذا المشروع الذي يتعود فيه الأبناء على المشاركة في العمل التطوعي والنهوض به خاصة في شؤون الحرمين الشريفين وما يحيط بهما من ساحات وممرات ومداخل وغيرها.
كما إنها دعوة موصولة لجميع القطاعات الحكومية في بلادنا بأن يكون لديها اهتمام بالعمل التطوعي المنظم، وتفعيل دوره في خدمة المجتمع، والاستفادة من قدرات شبابنا الطموحين للعمل بدون مقابل للمشاركة في النهضة التنموية التي تعيشها بلادنا في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة، وأن يشارك في هذا العمل الكبار والصغار كل حسب العمل الذي يتقنه، وحسب إمكاناته، وأوقات فراغه المتاحة، خدمة للمجتمع ومشاركة في خدمة البلاد والعباد ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”التوبة 105.

المصدر : جريدة المدينة - 12 رجب 1435 هـ الموافق 15 ديسمبر 2013م