د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1416

رغم ضعف الحديث “…واضربوهم عليها لعشر ” نجد عددًا من الفقهاء صنّفوا أبوابًا في تأديب الطفل لدرجة أنّهم أعفوا الأب والجد من القصاص إن قتله

تحدثت في الجزء الأول من هذه القراءة لنظام الحماية من الإيذاء عن المرأة, أمّا في هذا الجزء فسأتحدث عن الطفل, وأول ما استوقفني في النظام الآتي :

أولًا: أنّه لم يتطرق إلى تعريف الطفل، في حين أنّه ورد في أصل مشروع هذا النظام المقدم من جمعية الملك خالد الخيرية، ورد فيه هذا التعريف للطفل بأنّه» الإنسان من ولادته إلى بلوغه الثامنة عشرة من العمر»

وهذا التعريف لابد منه ، لأنّ المملكة العربية السعودية عندما صادقت على اتفاقية حقوق الطفل ،لم تتحفظ على المادة (1)التي تعرّف الطفل بأنّه دون الثامنة عشرة بموجب هذا النص : « يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه , وهذا يصطدم مع القضاء الذي يعتبر سن المساءلة القانونية هو سن 15 سنة, فلضمان تطبيق هذا النظام باعتبار القضاء هو الذي يفصل في قضايا الإيذاء ، لابد أن تُعرف اللائحة التنفيذية الطفل بأنّه» الإنسان من ولادته إلى بلوغه الثامنة عشرة من العمر» وعندئذ على القضاء أن يعيد النظر في تقرير سن المساءلة القانونية.

ثانيًا: تعريف الإيذاء بأنّه: الإيذاء هو كل شكل من أشكال الاستغلال, أو إساءة المعاملة الجسدية, أو النفسية, أو الجنسية, أو التهديد به يرتكبه شخص تجاه شخص آخر بما له عليه من ولاية, أو سلطة أو مسؤولية, أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية, أو علاقة إعالة, أو كفالة, أو وصاية, أو تبعية معيشية…»

ويدخل ضمن الإيذاء

أولًا: العنف البدني

لايزال راسخاً في أذهان الكثير من الآباء والأمهات أنّ تأديب الطفل وتربيته لا يتمّان إلّا بالضرب باعتبار ذلك حقًا من حقوقهم متخذين من حديث « واضربوهم عليها لعشر» ذريعة للتأديب بالضرب البدني, مع أنّ الحديث يتحدث عن الصلاة , وعند بلوغ العاشرة, ولكن الضرب يُمارس ضد الأطفال , وهم دون العاشرة, وأحيانًا في الرضاعة, إضافة أنّ هذا الحديث ثبت ضعفه في كل رواياته وطرقه وألفاظه.

وسأختصر هذا في الآتي:

•حدثنا مؤمل بن هشام يعني اليشكريّ ثنا إسماعيل، عن سوّار أبي حمزة قال أبو داود: وهو سوّار بن داود أبو حمزة المزني الصيرفيّ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع».)

هذا الحديث يروى عن أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأولى: رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده (وهو سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه):سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده فقال: ضعاف .وقال ابن حبان في المجروحين: «منكر الحديث جدا يروى عن أبيه ما لم يتابع عليه».

الثانية : رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , ,قد ضعف العقيلي هذا الحديث وقال «والرواية في هذا الباب فيها لين»واللين من ألفاظ المرتبة الأولى من مراتب الجرح [ محمد صديق المنشاوي : قاموس مصطلحات الحديث النبوي الشريف , ص 95, دار الفضيلة للنشر والتوزيع : القاهرة – مصر]

الثالثة: رواية محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن محمد بن عبد الرحمن , وهي طريق مرسلة على الأشبه فيها، وقد وصلت عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا تصح وصلاً على الصحيح.

الحكم على هذه الرواية لا تصح موصولة أبداً على الصحيح، والأشبه فيها الإرسال، كما قرره الأئمة، لكن يشكل على المرسلة والمتصلة أنّها من رواية محمد بن الحسن بن عطية العوفي، وهو آفتها _وإلا فباقي رجال السند ثقات_؛ فإنه مجمع على ضعفه، بل قال البخاري: (لم يصح حديثه).

الرابعة: رواية أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق ثمامة أخرجها كلٌ من: الدارقطني في (السنن 1/231)، الطبراني في (الأوسط رقم 4129)، الحارث بن أسامة في (المسند رقم 106)، البزار في (مسنده )ولفظه: «مروهم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لثلاث عشرة».

الحكم على هذه الرواية

هذه الرواية تروى من طريق داود بن المحبر؛ وهو: متروك لا يحتج به، وهو آفتها. فهي رواية ساقطة لا تصح ولا تقبل. وإن كان قد وثق، لكن الصحيح فيه أنّه ضعيف بالمرة.

وهكذا نجد أنّه رغم ضعف هذا الحديث نجد عددًا من الفقهاء صنّفوا أبوابًا في تأديب الطفل لدرجة أنّهم أعفوا الأب والجد من القصاص إن قتله أثناء تأديبه, من ذلك قول الأستاذ في جامعة أم القرى الدكتور إحسان المعتاز أنّ الحديث الشريف الذي يقول: (لا يقتل والد بولده)، جاء لأن الأب غالبا لا يقتل ابنه، وإنما يحدث ذلك عن طريق القتل الخطأ أو بسبب التربية.

المصدر : جريدة المدينة - 4 ربيع الآخر 1435 هـ الموافق 4 فبراير 2014م