د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1279

إباحة بعض الفقهاء قتل الآباء لأولادهم إن كان تأديبهم لهم أدى إلى قتلهم, قول يتناقض مع أسس ومبادئ التربية الإسلامية.

أتابع الحديث عن حديث» لا يُقتل والد بولده» يقول ابن قدامة في كتابه المغني في مسألة رقم( 6621):قال: ولا يقتل والد بولده وإن سفل « وجملته أنّ الأب لا يقتل بولد ولده وإن نزلت درجته , وسواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات, ومن نقل عنه أنّ الوالد لا يقتل بولده عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وبه قال ربيعة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي, … ثم يقول: وقال مالك:» إن قتله حذفًا بالسيف ونحوه لم يقتل به, وإن ذبحه أو قتله قتلًا لا يشك في أنّه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به» ويستدل ابن قدامة على ذلك بقوله:» ولنا ما روى عمر بن الخطّاب وابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» لا يقتل والد بولده» أخرج النسائي حديث عمر, ورواهما ابن ماجه, وذكرهما ابن عبد البر وقال: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفًا, ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:» أنت ومالك لأبيك», وقضية هذه الإضافة تمليكه إيّاه, فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص لأنّه يدرأ بالشبهات, ولأنّه سبب إيجاده, فلا ينبغي أن يتسلّط بسببه على إعدامه, وما ذكرته يخص العمومات, ويفارق الأب سائر الناس, فإنّهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص, والأب بخلافه[ ابن قدامة : المغني 9/360]
وعند تحليلنا لهذا النص نجد الآتي:
1.إعفاء الأب القاتل لولده من القصاص, وكذلك الجد القاتل لأحد أحفاده سواءً لابنه أو ابنته, وأرجع ذلك إلى ما نقل عن حديث روي عن عمر بن الخطّاب وابن عبّاس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو» لا يقتل والد بولده» رغم أنّ ابن قدامة يعلم بضعف الحديث, لإيراده مقولة ابن عبد البر:» هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفًا»
فهذا دليل على ضعف إسناده, فكيف يؤخذ به لشهرته, والغريب أنّ ابن عبد البر, لم يتجاهل ضعف إسناد الحديث فقط, وإنّما تجاهل أيضًا مخالفة الحديث لما جاء به القرآن الكريم من وجوب القصاص( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ..)[ المائدة:45],(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)[ البقرة :179]
ولم يُستثن قتل الآباء لأولادهم, وزوجاتهم اللواتي لهم منهن أولاد من القصاص, بل توجد آيات تحرم على الآباء قتل أولادهم, من فقر أو خشية منه, أو خشية من عار, وتنهى عنه:
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيراً}[الإسراء31]
وقال (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ) } [الأنعام: 115]
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام:140]
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)[ النحل:58,59]
(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 9,8]
فمضمون هذه الآيات يُحرّم على الآباء قتل أولادهم لأي سبب كان, وإباحة بعض الفقهاء قتل الآباء لأولادهم إن كان تأديبهم لهم أدى إلى قتلهم, فهذا قول يتناقض مع أسس ومبادئ التربية الإسلامية, وأي تأديب هذا لابنة خمس سنوات, أو رضيعة ابنة السنة والنصف, والذي يُفضي إلى الموت؟
كما حدث للطفلة لمى ابنة خمس سنوات التي قتلها أبوها تعذيبًا بدعوى تأديبها, وحُكم عليه بالسجن ثماني سنوات, و(600) جلدة ودية ّتُسّلم لأمها, وأسأل أي تأديب لطفلة ابنة خمس سنوات إلى درجة قتلها, وهل التأديب يتطلب تعذيب الطفلة في مناطق حسّاسة في جسدها, كما جاء في تقرير الطب الشرعي؟
الاستناد على حديث ضعيف آخر,وهو» :»أنت ومالك لأبيك», وقد ضعّفه علماء ,منهم الشافعي والعقيلي وعبد الرحمن السحيم الذي قال الحديث بتمامه ضعيف, قال الهيثمي: روى ابن ماجة طرفاً منه، ورواه الطبراني, وفي الصغير والأوسط، وفيه: المنكدر بن محمد ضعيف، وقد وثقه أحمد، والحديث بهذا التمام منكر، وقال العجلوني في كشف الخفا, وله طريق أخرى عند البيهقي في الدلائل والطبراني في الأوسط ,والصغير بسند فيه المكندر ضعفوه عن جابر. ثم ذكره بتمامه .وأورده الزيلعي في نصب الراية ونسبه للطبراني في الصغير وللبيهقي في دلائل النبوة من طريق المنكدر بن محمد, فمدار إسناد الحديث على المنكدر هذا ,وهو ليّن الحديث، ولم أر من تابعه عليه بهذا التمام .أي بهذا اللفظ بتمامه.» وقد رواه الطبراني في الأوسط والصغير بسند فيه المكندر ضعفوه عن جابر، ورواه البزار عن هشام بن عروة مرسلًا, والحديث عند البزار في مسنده عن عمر أنّ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:» إنّ أبي يريد أن يأخذ مالي»، فذكره, وهو منقطع. وأكبر دليل على عدم صحة الحديث أنّ الأب لا يرث كامل ثروة ابنه المتوفى, أمّا ابن حزم, فقال: إنّ هذا الحديث حتى مع ثبوته فهو منسوخ بأدلة كثيرة وردت في الشريعة.
وهناك من العلماء يقولون إنّ المقصود من الحديث ليس ظاهره, وإنّما إذا كان في حاجة لمال يجوز له أن يأخذ من مال ولده بقدر حاجته.

المصدر : جريدة المدينة - ربيع الثاني الموافق 11فبراير 2014م