د. رشود الخريف - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1261

النشر العلمي هو الوسيلة التي تحقق انتشار البحث العلمي، والاستفادة منه في النهوض بالعلم والمعرفة، وخدمة قضايا التنمية، ومعالجة المشكلات التي تواجه المجتمعات، وهو الأداة الأساسية لقياس الأداء البحثي للجامعات والمؤسسات العلمية، فالبحث العلمي دون النشر يبقى قليل الفائدة وحبيس الأدراج أو أقراص الحاسب الآلي، بل إن النشر الداخلي على مستوى القسم أو الكلية أو الجامعة لا يحقق أهداف البحث العلمي لمحدودية انتشاره خارج أسوار المؤسسة التعليمية. لذلك تسعى الجامعات والدول إلى تشجيع النشر العلمي العالمي وتحفيزه بالسبل كافة.

قبل أسابيع قليلة، نظمت جامعة الملك خالد بأبها المؤتمر السعودي الأول للنشر العلمي الذي ركز على النشر العلمي الإلكتروني، وكذلك النشر في العلوم الإنسانية والتربوية والطبيعية والصحية، واهتم بأخلاقيات البحث العلمي، وتخلله بعض الورش التي شاركت في تنظيمها دور نشر عالمية مثل “سبرنجر” و”وايلي”. ولا شك أن المبادرة بتنظيم هذا المؤتمر يُعد إضافة نوعية للبحث العلمي في المملكة تُشكر عليها جامعة الملك خالد. على الرغم من الإنتاج العلمي المتزايد للجامعات السعودية ومع تبوّؤ المملكة المركز الأول بين الدول العربية، من حيث حجم النشر العلمي في الدوريات المصنفة في قواعد البيانات الدولية، فإن حجم النشر العلمي في المملكة وكذا في الدول العربية لا يزال دون الطموح، خاصة إذا علمنا أن جميع ما نشر في الدول العربية في الدوريات العالمية المصنفة خلال الفترة 2013-2008م البالغ 133131 بحثاً منشوراً في دوريات مصنفة في قاعدة بيانات ISI لا يكاد يتجاوز نصف إجمالي النشر في دولة كوريا الجنوبية لوحدها “252150”! ولا يصل إجمالي الإنتاج العلمي في الجامعة الأولى في كل دولة عربية مجتمعة “32866” إلى حجم الإنتاج العلمي لجامعة سيئول الوطنية لوحدها “35452” خلال تلك الفترة. وتجدر الإشارة إلى ما أنتجته جامعة الملك سعود “9450” يمثل ثلث الإنتاج العلمي في المملكة العربية السعودية، وأن ما أنتجته جامعة الكويت “2557” يمثل ثلثي الإنتاج العلمي في الكويت، وما أنتجته جامعة القاهرة “6417” يمثل 18 في المائة من إجمالي الإنتاج العلمي في مصر.

ونظراً لقلة الدوريات في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية المصنفة في قواعد النشر الدولية مثل “ISI” و”Scopus”، وصعوبة النشر في هذه المجالات، فإن الجامعات العربية الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً تعاني قلة النشر الدولي في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، فلا يتجاوز ما ينشر في مجال العلوم الإنسانية في جامعة الملك سعود 2.5 في المائة، كذلك لا يصل إلى 10 في المائة في أي من جامعات دول مجلس التعاون. ولكن هذه الحقيقة لا تنفي الإسهام الكبير في مجال تأليف الكتب ونشر البحوث باللغة العربية.

ولا شك أن انخفاض أداء الجامعات العربية والخليجية في النشر في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية يستحق التوقف والبحث عن الأسباب ومحاولة إطلاق برامج دعم خاصة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، وكذلك العمل على إدخال الدوريات العلمية العربية في قواعد التصنيفات الدولية، وتعزيز مفهوم البحوث المشتركة بين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، خاصة أن العلوم الاجتماعية والإنسانية تُعنى بالقضايا المحلية، وتسهم في بناء الإنسان ومعالجة القضايا التي تؤرق المجتمع، مثل الفقر والبطالة والتحضر والإدمان والإرهاب والجريمة وتلوث البيئة واستهلاك المياه والطاقة ونحوها.

وبوجه عام أن تعزيز النشر العلمي يتطلب تحريره من البيروقراطية واللوائح المالية المكبلة للإبداع والابتكار في البحث العلمي وحث منشآت القطاع الخاص على دعم البحث العلمي كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمعات التي تعمل بها.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 19 ربيع الثاني 1435 هـ. الموافق 19 فبراير 2014