جرائم التزوير .. لنفعّل النظام بقوة
كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية
جرائم التزوير لم تعد في صورها وأشكالها البسيطة قبل خمسة عقود، فقد ظهرت أنواع من التزوير غير المنصوص عليها في نظام مكافحة التزوير القديم، بل ظهرت الاحتيالات المتنوعة، التي غزت المواقع الإلكترونية للمصارف والشركات، وتم فيها استخدام التزوير في البيانات والتوقيعات، كما أن التزوير المعنوي بصوره المختلفة أصبح من الطرق التي يمارسها بعض المحتالين، وتصعب إدانتهم لعدم وجود بيانات مادية مزوّرة، مثل إساءة التوقيع على بياض، سواء كان المستند شيكاً أو سنداً لأمر أو عقداً أو مجرد ورقة بيضاء يتم استخدامها، وفق ما يراه الجاني الذي يخون الأمانة المُسندة إليه، وهو ما يجعل الإثبات ضدّه يحتاج إلى وعي لدى القاضي والمحقق قبل ذلك أيضاً.
نعم، لدينا معاناة كبيرة مع جرائم التزوير، وهناك مَن يحملون شهادات مزوّرة، وهذا غير مقتصر على مجال علمي واحد، بل نسمع كل يوم عن زمرة جديدة من أدعياء الشهادات والتخصّصات يُساقون إلى الفحص لهم ولمستنداتهم، حيث لا يستغرق الأمر كثيراً من الإجراءات في التدقيق حتى تظهر الحقيقة المرة، فقد خضعنا ولا نزال نخضع للغش العلمي المتواصل وفي معظم الميادين التي نحتاج فيها إلى القوى العاملة من الخارج، ومنها الطب والصيدلة، وأخيراً هناك مجال الهندسة الذي يتغلغل في كل المشاريع الإنشائية من طرق ومبان وجسور وغير ذلك من المنشآت التي تفوق الحصر وتحتاج في إنشائها وصيانتها إلى مهندسين أكفاء.
لقد أحالت الهيئة السعودية للمهندسين 1200 وافد للجهات المختصّة؛ ألقوا بثقلهم في علم الهندسة وفروعها المختلفة، وقدّموا أنفسهم على أساس متين من الثقة بمستنداتهم وسعوا إلى تغيير مهنهم في جوازات سفرهم وإقامتهم ليتمكنوا من الحصول على تلك المزايا للمهندسين من استقدام عائلاتهم ونحوه مما هو خاص بأصحاب التخصّصات، ولأن الأمر لا يكلف سوى تقديم صور للوثائق ومراجعة الجوازات ومن ثم تعديل المهنة، فإن كثيرين تجرّأوا، فالمخاطرة ليست عالية عليهم، وإن كانت عالية جداً على المجتمع والتنمية في الدولة الحاضنة لهم وتنميتها وحقوق المتعاملين مع أولئك الأدعياء والدخلاء بين المهندسين على اختلاف تخصّصاتهم.
إن خطورة جرائم التزوير أنها تتم على مستندات في غاية القوة ولها الصفة التنفيذية مثل الأوراق التجارية والإقرار بالديون، ويتم رفع دعوى تنفيذ ضد المدين في السند التنفيذي، ولذا فإن الدفع بالتزوير يفرض على قاضي التنفيذ أن يبحث عن الحقيقة التي يصعب عليه اكتشافها، وأن يقوم بإحالة السند التنفيذي إلى الأدلة الجنائية لمعرفة مدى سلامة سند التنفيذ محل الدعوى، وذلك في الحالات الواضح فيها أن الطعن بالتزوير جدي وله مبررات تجعله مقبولا، وليس مجرد محاولة لتعطيل التنفيذ، علما بأن هناك فرصاً للاعتراض على حكم قاضي التنفيذ أمام دوائر الاستئناف، وذلك خلال المدة النظامية للاعتراض وهي ضمانة إضافية أوجدها نظام التنفيذ القضائي.
إن جرائم التزوير من أخطر الجرائم المالية، ولأنها تمس مصداقية الأوراق والمستندات والوثائق العامة والخاصة، فإن مواجهة أنواعها الجديدة حتمية، وذلك بإصدار قوانين وأنظمة ذات فعالية عالية وقوة تنفيذية تساعد على محاسبة مَن يقوم بإهدار الثقة بالمستندات، ويلحق الضرر بالآخرين من الأبرياء، ويستفيد بطرق غير مشروعة، وهي نتائج حتمية الوقوع في جميع جرائم التزوير، ولصعوبة التعامل مع هذه الجرائم فقد طوّرت شركات التقنية عديداً من الأجهزة والأدوات للكشف عن التزوير ومعرفة أدق التفاصيل عن صحة المستندات، التي يتم الطعن فيها بالتزوير المادي أو التزوير المعنوي، وهو ما يُفترض أن تتم مجاراته بالتدريب المتواصل للعاملين في حق العدالة الجنائية.
المصدر : جريدة الاقتصادية - الاثنين 02 جمادى الأول 1435 هـ. الموافق 03 مارس 2014