د. سهيلة زين العابدين حماد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1198

لقد شهدت عائشة – رضي الله عنها- بدراً وأحدًا.فكيف يسمح عليه الصلاة والسلام باصطحاب ابنة 9 سنوات، وردّ في أُحد مَنْ كانت أعمارهم دون 15 سنة؟

 

بينتُ في الحلقة الماضية أنّ إباحة زواج القاصرات قد بُني على مفهوم خاطئ لآية(واللائي لم يحضن), ولضعف الأحاديث المروية عن عائشة رضي الله عنها, وليس عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) في رواياته, ورواتها, فهي لا ترقى إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة، إضافة إلى وجود قرائن كثيرة لا تتفق معها، منها:
1- خطأ الحكم الفقهي الذي بُني على مرويات زواج الرسول(صلى الله عليه وسلم) من السيدة عائشة وهي ابنة تسع سنوات، فبموجبه قرر الفقهاء أنَّ “للأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت”، أمَّا الثيب فتنكح من شاءت، وإن كره الأب، وأمَّا البكر فلا يجوز لها نكاح إلاّ باجتماع إذنها وإذن أبيها[ابن حزم: المحلى بالآثار،9/38.]، وهنا نجد في هذا الحكم تناقضًا، فكيف تجبر الصغيرة على الزواج، ولا خيار لها إذا بلغت، والبالغة لا يصح زواجها إلاّ بإذنها، وأمَّا الثيب فلها أن تتزوج بمن تريد ولو كره الأب؟ فالحكم الفقهي هنا فيه خلل وتناقض، وديننا لا تجتمع فيه تناقضات، فلقد بنى هؤلاء رأيهم على تزويج سيدنا أبي بكر السيدة عائشة رضي الله عنهما وهي صغيرة بدون إذنها، وهذا دليل على ضعف الأحاديث التي تحدد سن السيدة عائشة عند زواجها بالرسول(صلى الله عليه وسلم )بتسع سنوات، وفيه مخالفة لقوله تعالى:{وابْتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رُشداً فادْفعُوا إليهم أموالهم}،ومخالفاً لقوله (صلى الله عليه وسلم ):(لا تزوج الأيم حتى تستأمر والبكر حتى تُستأذن)
2. رواية السيدة عائشة رضي الله عنها لدخول أبي بكر رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة ورد جواره عليه، كما روت حديث هجرته عليه الصلاة والسّلام إلى المدينة ،وجاء في روايتها:(فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وليس عند أبي بكر إلاّ أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر)[انظر سيرة ابن هشام]، وكان هذا قبل الهجرة، فإن كان سنها تسع سنوات في(2هـ)، فهذا يعني أنّها روت الرواية الأولى، وهي ابنة ست سنوات، وحديث الهجرة، وهي ابنة سبع سنوات، فهل تقبل رواية من في هذه السن؟
فروايتها لهذيْن الحديثين تؤكد أنَّ عمرها في الرواية الأولى(16) سنة، وفي الثانية( 17) سنة، ممَّا يؤكد الروايات التي تقول إنَّ السيدة أسماء بنت أبي بكر كان عمرها عند الهجرة(27)عاماً، والسيدة عائشة أصغر منها بعشر سنوات، أي كان عمرها عند الهجرة (17)سنة.
3. ويؤكد ذلك أيضًا أنَّه عندما خطبها الرسول صلى الله عليه وسلّم كان أبو بكر رضي الله عنه وقد وعد بها لجبير بن مطعم بن عدي، فذهب يسأل مطعم وزوجه ما ينويانه بِشأن ذلك، فقالت له أم جُبير:”لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه”، وهذا يعني أنّ خطبتها لجبير كانت قبل البعثة، ولو فرضنا أنَّها خطبت لجبير عند ولادتها، فسيكون عمرها عند الهجرة أكثر من 13سنة، وليس 7 سنوات كما في رواية البخاري، أي قبل ظهور الإسلام؛ إذ لا يمكن أن يوافق سيدنا أبو بكر على تزويج ابنته من مشرك، وكتاب السيرة قالوا إنَّها خطبت لجبير عندما ظهرت عليها علامات الأنوثة، فمعنى هذا أنَّها خُطبت وهي فوق الأربع سنوات، أي قبل البعثة بسنوات.
4.حساب عمر(عائشة) مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبي: يذكر (ابن حجر) في(الإصابة) أنّ (فاطمة) ولدت عام بناء الكعبة، والنبي ابن (35) سنة، وأنّها أسن من عائشة بـ(5) سنوات، وعلى هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنّها رواية ليست قوية, ولكن على فرض قوتها نجد أنّ (ابن حجر)وهو شارح (البخاري)،يُكذِّب رواية (البخاري) ضمنيًا, لأنّه إن كانت (فاطمة) وُلدت والنبي في عمر(35) سنة، فهذا يعنى أنّ(عائشة)ولدت والنبي يبلغ(40) سنة، وهو بدء نزول الوحي عليه, ما يعنى أنّ عمر(عائشة)عند الهجرة كان يساوى عـــــدد ســـنوات الدعــوة في مـــكة وهــي (13 ســـنة، ولـــيس(9) سنــوات، وهذه الرواية تبين الاضطراب الشديد في رواية البخاري.
5. قول خولة للرسول صلى الله عليه وسلّم (إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا)ولذلك لا يعقل أن تكون السيدة عائشـــة في ذاك الوقت طـــفلة في السادســــــة, وتعرضها (خولة)للزواج بقولها (بكراً).
6. أخرج البخاري في (باب- قوله: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)عن(عائشة) قالت:« لقد أنزل على محمد بمكة، وإنِّي جارية ألعب« بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» والمعلوم بلا خلاف أنّ سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحي بما يوازى (614م)، فلو أخذنا برواية البخاري تكون(عائشة)إما أنّها لم تولد أو أنّها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة, ولكنها تقول(كنت جارية ألعب)أي أنّها طفلة تلعب, فكيف تكون لم تولد بعد؟ فالحساب المتوافق مع الأحداث يؤكد أنّ عمرها(8)سنوات عام(4) من البعثة، وهو ما يتفق مع كلمة(جارية ألعب).
7-أخرج الإمام البخاري ( باب- لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) قال رسول الله: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت» فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه، فالحديث الذي أورده البخاري عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنّها قالت كنت ألعب بالبنات- بالعرائس- ولم يسألها أحد عن إذنها في الزواج من النبي، وكيف يسألها وهى طفلة صغيرة جداً لا تعي معنى الزواج، وحتى موافقتها في هذه السن لا تنتج أثرًا شرعيًا لأنّها موافقة من غير مكلف ولا بالغ ولا عاقل.
8. لقد شهدت عائشة رضي الله عنها بدراً وأحدًا.فكيف يسمح عليه الصلاة والسلام باصطحاب ابنة 9 سنوات، وردّ في أُحد مَنْ كانت أعمارهم دون 15 سنة؟
للحديث صلة.

المصدر : جريدة المدينة - 3 جمادى الاول الموافق 4 مارس 2014م