د. سليمان المشعل - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1178

 

يشهد المجتمع السعودي في الوقت الراهن تسارعا في نهج – القناعة قبل الفكر- بجدوى التناول العملي والتطبيقي في المتابعة والمواكبة لثقافة مجتمعية جديدة، تتمركز حول “التعويض”، بعد أن كانت ثقافة وتقاليد “العيب” من التقدم بدعوى أو عريضة شكوى وتظلم، تلقي بظلالها على واقع الضرر الشخصي أو المرفقي وتداعياته المعنوية والمادية والنفسية.

حيث يجسد النقاش والطرح في هذا الخصوص من خلال “وسائل الإعلام، مواقع التواصل الاجتماعي، وأطروحات واقتراحات بعض اللقاءات والاجتماعات العائلية العامة”، تباينا في العديد من معطياته، عطفا على الاختلاف في محاور القبول ثم الثقافة وكذلك الجهل بالأنظمة والحقوق.

وهنا – وبلغة الاستفهام والاستفسار – يمكن تلخيص ما تمت ملاحظته وكذلك ما رشح لنا في هذا الخصوص من نماذج لواقع التناغم والتنافر لثقافة وتطبيقات التعويض في مجتمعنا المحلي:

ما واقع الوعي والإدراك بثقافة التعويض في المجتمع؟

هل التعويض ثقافة فقط أم أنه مطلب شرعي حثت عليه الشريعة الإسلامية وكذلك لوائح الأنظمة في حالة التعرض للضرر والأذى بمختلف أنواعه؟

هل أسهمت المنظومات الحكومية ذات العلاقة في نشر التوعية المجتمعية مع التعريف بالحقوق والأنظمة؟

كيف يمكن تقييم واقع القناعة في المجتمع بدور وتجاوب هذه المنظومات؟

هل هناك بالفعل معايير وآليات قياس لتقييم الفرق بين “الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي”؟

كيف يمكن لنتائج وفاعلية هذه الثقافة حماية حقوق الملكية بجميع أنواعها؟

هل أسهمت ثقافة ونهج “إخلاء المسؤولية” عند البعض في الحد من التفاؤل والطموح بنجاح انتشار التطبيقات العملية للمطالبة بالتعويضات؟

ولكن ماذا عن تعريف عام لمصطلح “التعويض” في عرف القانون، هو (جبر وإزالة الضرر الناشئ عن المسؤولية المدنية وإعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر، ويقدر فى المسؤولية غير التعاقدية طبقا لحجم الضرر عطفا على مبدأ الموازنة بين الضرر والتعويض)، كما أن أهم أركان دعوى التعويض هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية.

وحيث إنه يلاحظ أخيرا توافر العديد من الدعاوى والقضايا في المحاكم تنشد المطالبة بتعويضات تتعلق بالسب والقذف، الإساءة للسمعة، الأخطاء الطبية، والحوادث المرورية وغيرها.

ومع تنوع مصادر الضرر والتأثر في واقع وطبيعة الدعاوى المرفوعة للمحاكم السعودية في الفترة الزمنية القريبة السابقة التي تشير الوقائع إلى ارتفاع نسبة ونوعية هذه القضايا، يظهر للعيان نوع من هذه الأضرار لم تتم مناقشته وطرحه بشكل دقيق وهو “تعويض الحقوق الفكرية”، فقد بحثت أخيرا ندوة (القضاء والتعويض في حقوق الملكية الفكرية) التي دعا إليها مركز القانون السعودي للتدريب بمشاركة وزارة الثقافة والإعلام وبرعاية وزير الثقافة والإعلام والغرفة التجارية في جدة إجراءات التسجيل والحماية لحقوق الملكية الفكرية في مختلف الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، حيث تشير الإحصائيات في هذا الخصوص إلى أن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية يكبد المملكة أكثر من عشرة مليارات ريال كخسائر مباشرة، ويحرم الاقتصاد السعودي من جذب استثمارات أجنبية بأكثر من عشرة مليارات دولار في مجالات صناعية وخدمية مؤثرة ومهمة جدا، بسبب عدم حمايتها والتعويض عن الاعتداء عليها، خصوصا في جانب قضاء التعويض وأثره في حماية حقوق الملكية الفكرية.

ويمكن لتحقق ونجاح ثقافة وتطبيقات ونتائج هذه الثقافة أن تسهم إيجابا في حفظ الحقوق والكرامة بما يتزامن مع رفع الروح المعنوية للفرد، خصوصا شريحة الشباب في المشاركة بحماس ورغبة في دفع مسيرة التنمية الشاملة في مجتمعه، من خلال العمل على تهيئة وتوافر برامج ودورات وورش عمل توعوية وتثقيفية تستهدف مختلف شرائح المجتمع في القطاعات الحكومية والخاصة، وكذلك في الجامعات والمعاهد، والعمل على تنظيم وتفعيل واقع الأنظمة المشرعة للتعامل مع خدمة جميع أنواع دعاوى التعويض، وكذلك العمل على تطويرالأنظمة والقوانين ذات العلاقة بتناول آليات قياس ومعايير وحجم التعويض لجميع أنواع الأضرار ونوعية التعويضات.. حيث يشتكي المتضررون والمطالبون من كونها عمليا في واقع التطبيق “ضيقة وتقليدية”.

المصدر : جريدة الاقتصادية - الخميس 05 جمادى الأول 1435 هـ. الموافق 06 مارس 2014