نظام الحماية من الإيذاء وزواج القاصرات (3)
د.سهيله زين العابدين حماد - جريدة المدينة
كيف سيحمي القضاة الطفلات من هذا الزواج, وهم يرون بمشروعيته ,وبأحقية أوليائهن تزويجهن قاصرات من مسنين؟
بينتُ في الحلقتيْن السّابقتيْن خطأ مفهوم آية( واللائي لم يحضن) الذي بُني عليه جواز زواج الطفلات, لأنّها فُسّرت بالطفلات اللائي لم يحضن بعد, مع أن المقصود النساء اللائي لم يحضن لعلّة فيهن, كما بيّنت ضعف الأحاديث المروية عن السيدة عائشة رضي الله عنها بأنّها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع سنوات من حيث السند والمتن , وأواصل الحديث عن ضعف تلك الأحاديث من حيث المتن لما يُحدثه تزويج الصغيرات من أضرار صحية ونفسية عليهن وعلى أولادهن, فالتكوين الجسمي والنفسي للطفلة لا يجعلانها تتحمَّل المعاشرة الزوجية، ، كما لا يجعلانها تتحمَّل الحمل والولادة ،وكثيرات منهن يتعرضن للإجهاض لعدم اكتمال نمو الرحم، ومنهن من يموت أثناء الولادة، وتؤكد التقارير والدراسات المتعلقة بصحة النساء على أنّ الزواج المبكر يؤدي إلى آثار سيئة على صحة المرأة نتيجة لتعرضها لكثير من المضاعفات المتعلقة بالحمل المبكر، كما يؤكد تقرير اليونيسيف عن حالة الأطفال والنساء في اليمن( ١٩٩٨) أنّ من الظروف الشائعة والمسببة لضعف صحة النساء والأطفال أكثر في الريف والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات ظاهرة الزواج المبكر. هذا وتتعرَّض المتزوجات في سن مبكرة لضغوط اجتماعية ونفسية تؤثر بشكل عام على صحتهن وبناء شخصياتهن؛إذ لم يكتمل نضجهن النفسي ولم يكتسبن الشخصية والهوية والثقة بالنفس. وخصوصاً مرحلة المراهقة ،فما بالكم إن كانت بعد طفلة ابنة ثماني أو تسع سنوات؟!
وهناك انعكاسات سلبية للزواج المبكر على صحة الأبناء قد أكدتها الأرقام والبيانات المستمدة من دراسة أسباب الإعاقة في العالم؛ حيث تبين أنَّ الزواج المبكر وإنجاب الأمهات الصغيرات للأطفال قبل أن يكتمل نموهن ويقوى عودهن يشكل أحد أهم أسباب حدوث الإعاقات لدى أطفال الدول النامية، وأطفال المجتمع العربي، وهذا ما أكَّدته وزارة الصحة السعودية، فثمة آثار صحية بالغة الخطورة تجلب نتائج سلبية على صحة الأم القاصر وعلى أطفالها لاحقاً، وديننا حريص على صحة النسل، وهناك أحاديث نبوية تحث على ذلك.
وقد جاء في التقرير الذي بعثه معالي وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع لمعالي رئيس هيئة حقوق الإنسان السابق الأستاذ تركي السديري بناء على استفسار الهيئة عن كيفية إجراء فحوص ما قبل الزواج للأطفال القصر، وما يسببه ذلك من آثار سلبية بالغة من الناحية الجسدية والنفسية، حيث شكل معالي وزير الصحة لجنة طبية من المتخصصين لدراسة ذلك ،وكشفت اللجنة الطبية عن أضرار صحية وجسدية ونفسية ناتجة عن زواج القصر، ومن أبرز الأضرار الصحية:
1. اضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل.
2.ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام وبسن مبكرة نتيجة نقص الكلس.
3.الإصابة بأمراض مصاحبة لحمل صغيرات السن من أبرزها حدوث القيء المستمر عند حدوث الحمل لدى صغيرات السن وفقر الدم والإجهاض حيث تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة وذلك إمّا لخلل في الهرمونات الأنثوية أو لعدم تأقلم الجسم على عملية حدوث الحمل ما يؤدي إلى حدوث انقباضات رحمية متكررة تؤدي لحدوث نزيف والولادة المبسترة (المبكرة) وارتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في العمر المبكر.
4.ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.
5.كشف التقرير عن وجود آثار على صحة الأطفال منها اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين والولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات مثل: قصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين واعتلالات الجهاز الهضمي وتأخر النمو الجسدي والعقلي وزيادة الإصابة بالشلل الدماغي والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية والوفاة بسبب الالتهابات.
وتذكر الطبيبة المغربية المتخصصة في طب النساء والتوليد خديجة خويتي، أن تزويج القاصرات ينطوي على مشاكل صحية لا تعد ولا تحصى، من قبيل: اضطراب الدورة الشهرية، وارتفاع هامش خطر الإجهاض،وأشارت خويتي إلى أنّ هناك مآسي تعيش الزوجة القاصرة في قبضتها.
أمّا الآثار النفسية لزواج القاصرات, فقد بيّنها تقرير وزارة الصحة السعودية لهيئة حقوق الإنسان في التالي:
1-الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة التي إن مرت بسلام كبرت الطفلة لتصبح إنسانة سوية، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدي عند تعرضها لضغوط إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام – الاكتئاب – القلق – اضطرابات الشخصية.
2-عدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج ومسؤولية الأسرة والسكن والمودة.
3. الإدمان نتيجة لكثرة الضغوط كنوع من أنواع الهروب وآثار ما بعد الصدمة، وهي مجموعة من الأعراض النفسية التي تتراوح ما بين أعراض الاكتئاب والقلق عند التعرض لمثل هذه المواقف.
وبعد بيان هذه الأضرار الصحية والنفسية, فلا يمكن أن يقر الإسلام زواج القاصرات وهو يُسبب كل هذه الأضرار, ممّا يؤكد أنّ آية(واللائي لم يحضن) لا تعني الطفلات, كما يؤكد ضعف الأحاديث المتعلقة بزواج السيدة عائشة وهي ابنة تسع سنوات, ولكن كيف سيحمي القضاة الطفلات من هذا الزواج, وهم يرون بمشروعيته ,وبأحقية أوليائهن تزويجهن قاصرات من مسنين؟
المصدر : جريدة المدينة - 10 جمادى الاول الموافق 11مارس 2014م