كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1044

تصنع البطالة مرضاً مزمناً في كل دول العالم التي تعانيها. ولو استثنينا دولة هجينة مثل أندورا التي تتمتع ببطالة تصل إلى الصفر، وبعض المناطق القليلة جداً التي لا تواجه مشكلة البطالة، فإن العالم كله يعيش هذه الآفة، بما فيه بلدان ذات مداخيل مرتفعة جداً، ونسب سكانية قليلة جداً. وإذا كانت هناك دول تحقق نجاحات في الحد منها، سواء عن طريق التوظيف أو إعادة التأهيل، أو توجيه مخرجات التعليم، أو ضخ استثمارات تنموية وغيرها من أشكال “الأسلحة” ضد البطالة، إلا أنها في العالم العربي باتت متأصلة أكثر منها مزمنة. ومما يزيد من همومها، أن الأرقام التي يتم تداولها في هذا الصدد، لا يمكن الارتكاز إليها تماماً. فحتى المؤسسات غير المحلية التي تعلن عن هذه الأرقام، تكون عادة متحفظة، على اعتبار أن الإحصائيات المحلية ليست دقيقة، وإن كانت دقيقة فهي ليست شاملة. هناك دائماً شرائح من المتعطلين العرب عن العمل خارج الحسابات.

منذ عدة سنوات لم تتغير نسبة البطالة في العالم العربي! بقيت في حدود 16 في المائة أو ما يساوي 20 مليون متعطل. وبمراجعة الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية في غضون السنوات الخمس الماضية، تبدو النسبة أعلى من ذلك، ولا سيما إذا ما أخذنا في الاعتبار، الآثار السلبية “المفهومة” التي تركتها الثورات العربية في هذا المجال، خصوصاً أن الاضطرابات الاقتصادية “المباشرة وغير المباشرة” التي أعقبت هذه الثورات لا تزال حاضرة على الساحة. فالاستثمارات المحلية تراجعت، وخرجت تدفقات مالية كبيرة من هذه البلدان، بعضها إلى الأبد، وبعضها الآخر انتظاراً لحلول الاستقرار السياسي فيها. وكل هذه التطورات كانت طبيعية. فللتغيير ضريبته بصرف النظر عن طبيعته، والإرث الذي يعج بالخراب، يرفع وحده معدلات البطالة. وعلى هذا الأساس، فإن الأرقام المتداولة بهذا الصدد، تستحق المراجعة أو حتى التشكيك.

تزداد مصيبة البطالة في العالم العربي أكثر، لأنها تشمل بصورة رئيسة الشباب. وهذه الشريحة المهمة والخطيرة في آن معاً تعاني ارتفاع نسبة الإناث. وحسب منظمة العمل العربية، فإن النسبة المشار إليها تساوي ضعف نسبة المتعطلين من الشباب. وأياً كانت التفاصيل، فإن العالم العربي يحتاج إلى استثمارات هائلة في السنوات المتبقية من العقد الجاري، لوقف المؤشر المرتفع للبطالة. واستثمارات إضافية لتوجيه هذا المؤشر في اتجاه معاكس. ولا شك في أن المسؤولين العرب يقومون بتحركات كثيرة لمواجهة هذه المصيبة المتنامية. ورغم إقرار سلسلة من الاستراتيجيات سواء من خلال القمم الاقتصادية والتنموية العربية، أو عبر المنظمات الأهلية والحكومية المختصة، إلا أنها لم تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها. وساهم في ذلك، عدم الاستقرار الذي يسود حالياً كل الدول التي شهدت ثورات محقة. ومثل هذا الاستقرار يتطلب مزيداً من الوقت كي يظهر في المشهد العام.

إن مخاطر البطالة العربية كبيرة جداً، والانتظار يزيد من هول هذه المخاطر، دون أن ننسى، أن التشخيص المستمر والواعي لهذه المشكلة الكبرى، لا يحقق أي خطوات عملية على صعيدها. وفي أقل التقديرات، فإن العالم العربي يحتاج في غضون عقد من الزمن إلى ملايين الوظائف. بعض الجهات حددتها بـ 75 مليون وظيفة، أي بزيادة تصل إلى 40 في المائة على النسبة الحالية المطروحة. وإذا ما وضعنا أمامنا أن ما يعادل نصف سكان الدول العربية تقريباً لا تتجاوز أعمارهم 25، فإن الأمر يصبح أكثر إلحاحاً لإيجاد معدلات قريبة من الوظائف المطلوبة. ستظل البطالة تشكل التحدي الأكبر في السنوات المقبلة، وستظل مخاطرها منتشرة في الأجواء.

المصدر : جريدة الاقتصادية - الجمعة 13 جمادى الأول 1435 هـ. الموافق 14 مارس 2014