سعود بن هاشم جليدان - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 941

تمت الإشارة في المقالة السابقة إلى التأثيرات السلبية للتضخم في الدخول الحقيقية للمعتمدين على الدخول الثابتة، خصوصاً ذوي الدخول المحدودة والمنخفضة من الفقراء وصغار الموظفين والمتقاعدين. ويشكل الإنفاق على السلع والخدمات الأساسية كالمواد الغذائية الضرورية، والرعاية الطبية، والسكن، الجزء الأكبر من إنفاق الأسر منخفضة الدخل. وتزداد أهمية السلع الأساسية في إنفاق الأسر مع تراجع دخول الأسر، حيث قد يتجاوز الإنفاق على الطعام للأسر المعدمة نصف دخلها. وقد لا تملك بعض الأسر الدخل الكافي للسكن في مساكن صحية ولائقة ولهذا قد تضطر إلى السكن في مساكن لا تتوافر فيها المقومات الصحية للإقامة عند ارتفاع تكاليف المعيشة. ويعكس المؤشر العام لتكاليف المعيشة متوسط تغير تكاليف المعيشة للأسر بشكل عام. ويختلف تأثير التضخم على الأسر بإختلاف مستويات دخلها، وأنماط استهلاكها. ولهذا يجد كثير من الناس بأن تكاليف المعيشة ارتفعت بالنسبة لهم بمعدلات تفوق معدلات التضخم العامة المنشورة، وقد تكون في بعض الحالات أقل من المعدلات العامة. وشهدت السنوات الأخيرة في المملكة ارتفاعاً في تكاليف السكن والأطعمة يفوق متوسط معدلات التضخم. ولهذا عانت الأسر التي لا تملك مساكن والفقيرة وكبيرة الحجم التضخم بمعدلات تفوق معدلات التضخم.وارتفع الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة خلال فترة السنوات الثلاث المنتهية بعام 2013 بنسبة 10.5 في المائة، فيما ارتفعت تكاليف الأطعمة والمشروبات، وتكاليف السكن بنسبتي 16.3 و19.1 في المائة. وتشير اختلافات معدلات زيادة تكاليف السلع الأساسية إلى أن التضخم خفض من دخول المحتاجين بدرجة تفوق متوسط السكان، نظراً لتمثيل الإنفاق على الطعام والسكن جزء أكبر من دخول المحتاجين. وقد تشير نسبة الارتفاع في تكاليف الطعام والسكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة مقارنة بمعدلات التضخم العام إلى خسارة منخفضي الدخل نسبة 15 في المائة أو أكثر من دخولهم الحقيقية، وهي الزيادة التي منحت إلى عموم منسوبي الدولة والمتقاعدين في بداية عام 2011. ولذا ينبغي النظر في معاملة منخفضي الدخل، وخصوصاً المستفيدين من الضمان الاجتماعي بطريقة مختلفة عن باقي السكان، وذلك في حالة إقرار أي ربط لمؤشرات التضخم بمستحقات التقاعد ومنافع الضمان الاجتماعي.ويؤكد أحد أساسيات السياسة المالية، والذي ينص على التعامل مع المتساوين بطريقة متساوية والتعامل مع المختلفين بطرق مختلفة، إلى أهمية تبني سياسات مختلفة للتعامل مع الشرائح الاجتماعية متباينة الدخل. وتستهدف منافع الضمان الاجتماعي الشرائح السكانية الأقل دخلاً وثروةً من السكان. ولا تملك هذه الشرائح عادةً سوى دخول أو ثروات أخرى ضئيلة تساعدها على مجابهة خسائر الدخل التي يسببها التضخم، كما أنها تخصص معظم دخلها إن لم يكن كله للاحتياجات الأساسية، وقد لا تفي دخول هذه الشرائح حتى الاحتياجات الأساسية. ولتحقيق العدالة بين الشرائح الاجتماعية الأقل حظاً وبين الشرائح السكانية الأخرى ورفع المعاناة عن الضعفاء، ينبغي سرعة تعويض هذه الشرائح عن تراجع دخولها الحقيقية وأن تكون الأولى بالدعم. ولتحقيق العدالة أيضاً لا بد أن تتلقى هذه الشرائح تعويضات كافية للخسائر الناجمة عن التضخم. وللوصول إلى ذلك يمكن تحديد نسب التعويضات بنسب تغير مؤشر يعكس ارتفاع تكاليف المعيشة لمستحقي الضمان الاجتماعي أو الشرائح السكانية الأقل دخلاً في المجتمع. وسيحتوي هذا المؤشر على تكاليف السلع والخدمات التي تسهلكها هذه الشرائح ويعطي مؤشرات أدق لتأثير التضخم في هذه الشرائح. وتستطيع مصلحة الإحصاءات العامة وبكل يسر إصدار مؤشر لتكاليف المعيشة لمنخفضي الدخل أو ذوي الدخل المحدود، كما يحب البعض أن يسميهم، حيث تتوافر على ما أعتقد بيانات كافية لإصدار هذا المؤشر في بيانات مسوحات الإنفاق الأسري الخام.أما المتقاعدون فهم أصحاب دخول ثابتة، لكن الأغلبية منهم تعتبر من الشرائح السكانية متوسطة الدخل، والبعض الآخر يقع في الشرائح السكانية مرتفعة الدخل، وجزء آخر منهم يدخل في عداد منخفضي الدخل. ويعمل الكثير من المتقاعدين بعد الإحالة للتقاعد ولفترات من الزمن، خصوصاً أن الكثير منهم يحال إلى التقاعد في سن مبكرة، كما أن سن التقاعد بوجه عام منخفضة في المملكة مقارنةً بالدول المتقدمة. ولهذا فإن التعامل مع المتقاعدين ينبغي أن يكون مختلفاً عن التعامل مع مستحقي الضمان الاجتماعي في تعويضات التضخم. ويمكن ربط منافع منخفضي الدخل من المتقاعدين بمؤشرات خاصة ترتفع فيها نسب السلع الأساسية، ولكن يمكن بوجه عام ربط منافع تعويضات التضخم للأغلبية الساحقة من المتقاعدين بالمؤشر العام لتكاليف المعيشة، وذلك لتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن التضخم. (ورد خطأ غير مقصود في المقالة السابقة حيث تمت الإشارة إلى أن تغير الأسعار بين شهر فبراير 2014 ونظيره من عام 2011م هو 6.5 في المائة والصحيح هو نسبة 9.2 في المائة، فأرجو المعذرة)

المصدر : جريدة الاقتصادية - الأحد 22 جمادى الأول 1435 هـ. الموافق 23 مارس 2014