سطام الثقيل - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1006

 في كل مدينة وفي كل حي هناك مرضى نفسيون بلا مأوى، يجوبون الشوارع بملابس رثة وأجساد متسخة، هائمون على وجوههم، ويتصرفون بلا وعي أو شعور، يتلمسون احتياجاتهم من المارة، تارة يطلبون “ريال” وتارة أخرى ينشدون كسرة خبز تسد “رمق” جوعهم، وتارة ثالثة يطلبون “رشفة” ماء تبلل عروقهم وتطفئ لهيب “الظمأ”. لا أقسى من أن تفقد عقلك، ويتخلى عنك الأهل والأصدقاء، والمجتمع يتبرأ منك، وتكون في مؤخرة اهتمامات الجهات المختصة، ويقذف بك حظك “العاثر” في عالم مجهول تهيم على وجهك لا سائل عنك ولا مسؤول ولا رقيب أو مراقب، قدرك أنك “مريض” لا تنشد إلا الدواء والمأوى فهل هذا كثير؟ هؤلاء المرضى قطعة منا، رؤية أحوالهم وهم هائمون في الشوارع بملابسهم الرثة وأجسادهم المتسخة، تقشعر منها الأبدان، وتتمزق منها القلوب، مما يجعلنا نسأل: أين أسرهم، وأين المجتمع، وأين وزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية؟ وزارة الصحة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن علاج هؤلاء “المرضى”، فهم شريحة من المجتمع مكفول لها حق العلاج كبقية المواطنين، ولا يعني فقدهم عقولهم وعدم سعيهم للعلاج والبحث عنه أن تتخلى ــ أي وزارة الصحة ــ عن مسؤوليتها وتقديم الرعاية لهم ومساعدتهم على التعافي. إن كانت أسرهم قد تخلت عنهم، أو لا يوجد لهم في الأساس أسر ترعاهم وتبحث لهم عن “الدواء”، لا يعني ذلك أن تتجرد “الصحة” من مسؤولياتها تجاههم، يجب البحث عنهم واحتوائهم وإلحاقهم بمصحات الصحة النفسية وتوفير كل سبل الرعاية لهم. أيضا لوزارة الشؤون الاجتماعية دور سلبي تجاه هذه الفئة “الغالية”، فغير مقبول أن يكونوا كالمشردين والمنبوذين وأن تكون الأرصفة فراشهم والسماء غطاءهم في دولة من أغنى دول العالم، يجب أن يتم إنشاء دور اجتماعية في كل مدينة وفي كل حي لإيوائهم والعناية بهم وإطعاهم.. فهل هذا كثير؟ الجميع يتفق على ضرورة رعاية هؤلاء وعلاجهم وإيوائهم، ولكن الاختلاف فيمن يتحمل مسؤولية ذلك! فوزارة الصحة ترمي المسؤولية على وزارة الشؤون الاجتماعية، والأخيرة تبادر بتحميل الأولى مسؤولية ذلك في مواقف تؤكد أن “الطاسة ضايعة”. وضع المرضى النفسيين في الشوارع يسيء لسمعة البلد وسمعة مجتمعنا الإسلامي، وهو أمر يتطلب سرعة المعالجة، وإلى تحرك فوري من الجهات العليا تحدد فيه القطاعات المسؤولة عن رعايتهم، والأمر بتوفير كل ما يحتاجونه من دواء وإطعام ودور للإيواء.

المصدر : جريدة الاقتصادية - السبت 28 جمادى الأول 1435 هـ. الموافق 29 مارس 2014