د. محمود إبراهيم الدوعان - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1909

ماذا قدمنا كهيئات، ومنظمات، وجامعات في بلادنا الغالية تجاه يوم الأرض؟ هل أقيمت المحاضرات، والندوات، واللقاءات العلمية التي تنشر الوعي البيئي وتزيد من الاهتمام بهذه الأرض التي ننعم بخيراتها منذ آلاف السنين؟!

يوم الأرض العالمي 22 أبريل 2014
هو يوم الاهتمام بالأرض وبمكوناتها الطبيعية الحية وغير الحية، هو اليوم الذي يحتفل فيه العالم أجمع بالعناية بالبيئة والحفاظ على عناصرها المختلفة من التلوث والتدهور والانقراض، هو اليوم الذي تشارك فيه أكثر من 157 دولة كل عام -والعدد في ازدياد- للعناية بالأرض المسخرة لنا، والاهتمام بأغلفتها الرئيسة من عبث الإنسان وجوره وظلمه تجاه بيئته المحيطة، التي توفر له -بمشيئة الله- الغذاء والماء، والهواء، ولا يمكن للكائنات أن تعيش ولو لسويعات قليلة دون الاحتياج لهذه الأرض ومقدراتها وخيراتها التي أوجدها الله عليها وفيها.
كان عام 1970م هو عام الانطلاق للاحتفاء بيوم الأرض، ويوم 22 أبريل هو اليوم المتفق عليه للتذكير من قِبَل معظم الناشطين في العالم لكي يلتفت الساسة والقادة والمسؤولون عن البيئة وحمايتها إلى المشكلات التي أسهم في وجودها الإنسان على هذا الكوكب، وكيف أخل بتوازنه البيئي الذي فطره الله سبحانه عليه حيث يقول في محكم التنزيل: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون)، وقد أظهرت الدراسات والواقع الذي نعيشه إفساد الإنسان للأرض في صور شتى اجتاحت كل الخطوط الحمراء التي وضعها علماء البيئة للاستفادة من هذه الأرض المعطاءة دون إفسادها، أو الإضرار بمكوناتها، أو الإساءة لها، أو تدهور أنظمتها البيئية الطبيعية، بحيث أصبحت غير قادرة على العطاء وغير مهيأة للإعالة لمن هم على ظهرها بسبب الاستنزاف الكبير لمعظم مواردها، وتلوث تربتها، ومياهها، وهوائها، وبذلك انعكست كل هذه الآثار المدمرة على صحة الإنسان وسلامة الكائنات التي انقرض منها الآلاف وما زال الإنسان ماضيًا في تدميرها -رغم كل الجهود الدولية، والإنسانية، والمجتمعية- لوقف هذا الاستنزاف اللا محدود.
حري بنا أن نستفيد من هذا اليوم للالتفات لما يجري في مدننا، ومحافظاتنا، وقرانا من تدهور للتربة الزراعية بسبب سوء استخدام المخصبات والمبيدات، وتدهور للمصادر المائية بالتلوث بأنواعه المختلفة، وكثرة السموم والأمراض، وتلوث الهواء بأدخنة المصانع وعوادم السيارات وانبعاثات الكسارات ومحطات التحلية وما تبثه من سموم في غلافنا الجوي.
هذا اليوم بالنسبة لنا في المملكة هو يوم الحفاظ على بيئة الأرض، هو يوم نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع وطلاب المدارس والجامعات، هو يوم التذكير بأهمية الأرض والحفاظ على مكتسباتها من التدهور والاضمحلال، هو يوم الترشيد في استخدام موارد المياه والطاقة التي نهدر منها الشيء الكثير، هو يوم التذكير بأهمية البحر الأحمر وعظيم عطائه كمصدر رئيس لمياه الشرب لمعظم مدن ومحافظات الساحل الغربي للمملكة، وكذلك الأمر بالنسبة للخليج العربي.
إذن، ماذا قدمنا كهيئات، ومنظمات، وجامعات في بلادنا الغالية تجاه هذا اليوم؟ هل أقيمت المحاضرات، والندوات، واللقاءات العلمية التي تنشر الوعي البيئي وتزيد من الاهتمام بهذه الأرض التي ننعم بخيراتها منذ آلاف السنين؟ هل ذكّرنا الجميع بأهمية الأرض التي يقول الله عزّ وجلّ فيها: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف 85)، وقوله عز وجل: (إن الله لا يحب المفسدين) (القصص 77)، وقوله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) (هود 85)؟!.
للإفساد أوجه كثيرة، وليس كما هو شائع في سرقة الأموال وتبذيرها فحسب، بل يتعداه لأكثر من ذلك، فمن أكبر درجات الإفساد هو الإسراف في الماء، كما أشار لذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لا تسرف وإن كنت على نهر جار)، والإسراف في استخدام الطاقة الكهربائية غير المرشدة، وكذلك الإسراف في سوء استخدام الأسمدة الزراعية، والمبيدات، وسقي المنتجات الورقية بمياه الصرف الصحي، ومن أوجه الإفساد تدهور البيئة البحرية وهلاك معظم كائناتها، وتصحر بحرنا الأحمر من شدة الاستنزاف بعد أن كان من أغنى بحار العالم في الثروة السمكية.
كلنا مسؤولون أمام الله في الحفاظ على هذه الأرض وسلامة مكوناتها من التدهور والعبث وسوء الاستغلال الذي يمارسه الإنسان للإضرار بها والإخلال بتوازنها الطبيعي، ولو أحسنا استخدامها واستصلاحها قدر حاجاتنا بالترشيد في مواردها والأخذ منها بما يصلح أحوالنا ويسد احتياجاتنا لخدمتنا وأحفادنا لسنوات طويلة دون كلل أو ملل وإلى ما لا نهاية بإذن الله، حتى نحقق مفهوم التنمية المستدامة الذي تنشده معظم دول العالم على مختلف مستوياتها في مشارق الأرض ومغاربها.

المصدر : جريدة المدينة - يوم الأحد ٢٠ جماد الآخر ١٤٣٥هـ الموافق ٢٠ ابريل ٢٠١٤م