كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1155

 تعمل وزارة العمل في المملكة على تحقيق التوازن الاقتصادي اللازم في سوق العمل، وهي أهم سوق في أي نظام اقتصادي حديث، ونظرا لأن المملكة نشأت اقتصاديا وهي تعتمد على النفط من جانب، والدولة كموظف رئيس في سوق العمل من جانب آخر، بينما مؤسسات القطاع الخاص تتركز في شركات عائلية، تستقدم العمالة الأجنبية فقط، لذلك كله لم تنشأ عندنا مؤسسات ضغط عمالية تطالب بحصولهم على حقوقهم من أرباب العمل، فتراكمت الأخطاء حتى تسببت في خلل اقتصادي عنيف ظهر في التماهي الواسع من قبل أرباب العمل تجاه حقوق العمال، وانتشرت البطالة بين فئات الشباب السعودي الذي لم يجد عملا، بينما الشركات العائلية تعج بالعمالة الأجنبية، وفي المقابل لم تجد الشركات حافزا لتوظيف الشاب السعودي، بينما هي تستطيع الحصول على عمالة رخيصة غير محمية ويمكن التخلص منها أو إيقاف أو تأخير رواتبها دون سبب أو تبرير، بينما هذه المؤسسات تنعم بتدفقات نقدية هائلة، وهذا تبعه مظاهر أشد خطورة تتمثل في الإضرابات العمالية في بعض الشركات. ومع تعقد الأمور ثبت أن سوق العمل في المملكة بحاجة إلى من يقوم بإصلاحها وفرض ذلك على الشركات فرضا، أو التعرض للعقوبات، وكان لا بد أن تقوم وزارة العمل بهذا الشأن كله، فأنشأت عديدا من البرامج، من بينها برنامج سُمي “حماية الأجور” يعمل على إنشاء قاعدة بيانات تحتوي معلومات محدّثة عن عمليات دفع أجور العاملين في القطاع الخاص، وتحديد مدى التزام المنشآت بدفع الأجور في الوقت وبالقيمة المتفق عليهما. وذلك عبر المقارنة بين البيانات المسجلة في وزارة العمل، وما يتم تسجيله في نظام “حماية الأجور” المثبتة بكشوف تسليم الرواتب عبر المصارف المحلية.

من المدهش أن تلك الإحصائيات التي نشرتها وزارة العمل عن المراحل الثلاث التي تم تنفيذها في البرنامج حتى الآن، حيث طبقت المرحلة الأولى على المنشآت التي يبلغ عدد عمالتها ثلاثة آلاف عامل فأكثر وعددها 184 منشأة، وفي المرحلة الثانية على منشآت عمالتها ألفا عامل فأكثر بلغ عددها 111 منشأة، وهذا معناه أنه كان لدينا في هاتين الفئتين أكثر من 774 ألف عامل، لم تكن لهم حماية من أي نوع، وهذا يشير إلى وضع سوق العمل لدينا، ويوضح بجلاء سبب عزوف الشباب عن العمل في هذه الشركات، فرغم الجهود التي بذلتها الوزارة والعقوبات الصارمة التي فرضتها، فإن هناك أكثر من 30 منشأة كبيرة لم تلتزم حتى الآن (أي ما يقارب 77 ألف عامل بلا حماية)، أي ما نسبته 10 في المائة من حجم هاتين الفئتين، وهو مؤشر غير جيد على عدم جدية الشركات في الانضباط لهذا القرار المحفز للسوق. وفيما يتعلق بفئة المدارس جاءت الإحصائيات بالتزام 445 مدرسة مِن أصل 1183 مدرسة، أي فقط (38 في المائة)، وكانت هناك 713 مدرسة على استعداد لإيقاف الخدمات عنها.

كل هذه المعلومات تشير إلى مدى الفوضى التي كانت تعم سوق العمل السعودية، إلى درجة عملت وتعمل وزارة العمل على ضبط السوق وحماية كل الأطراف، يمثل برنامج حماية الأجور خطوة مهمة وحاسمة جدا، ليس على مستوى سوق العمل، بل على المستويين الاجتماعي والسياسي في البلد، فهذا البرنامج سيقدم معلومات تفصيلية، شهرية عن الوظائف، ومستويات الأجور، ويمكن من تقديم مؤشرات اقتصادية أكثر دقة من ذي قبل، إضافة إلى منح أصحاب القرار رؤية واسعة عن مدى عدالة التوزيع في الموارد والثروات، وهو ما قد يترتب عليه الكثير من القرارات الاستراتيجية، ويحد من فوضى المعلومات في كل هذه الجوانب.

ما نحتاج إليه اليوم هو أن يشعر القطاع الخاص بكل هذه المسؤوليات الملقاة على الحكومة، وأن يسهم بصدق في صنع مستقبل واعد، وعدالة اجتماعية حقيقية، ولن يحدث ذلك إلا بتعاونه الكامل مع الوزارة وهي تبني سوق العمل وترمم أسوارها.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 24 جمادى الثاني 1435 هـ. الموافق 24 إبريل 2014