العمل الخيري والتبرعات بين المظهر والمضمون
د.هيا عبد العزيز المنيع - جريدة الرياض
من يتعمق في قراءة مشهد العمل الخيري في بلادنا يجد أنه بات نمطياً في الكثير من نماذجه سواء على مستوى الأفراد أو أغلب المؤسسات..، لن أسرد أشكال العمل الخيري فهي شبه متطابقة..، المأخذ الآخر ليس في نمطية العمل الخيري فقط ولكن في ربط أحقية ممارسة العمل الخيري بالمظهر الخارجي لمن يقوم عليه.. وهنا مكمن الخطورة فقد استغل بعض ضعاف النفوس ذلك حيث وجدنا أن البعض يستغل الرغبة الجامحة في مجتمعنا للعمل الخيري وخاصة التبرعات، والنتيحة دفع الغالي والنفيس لمساعدة محتاج أو فقير أو ضعيف في الداخل أو الخارج وخاصة حملة بناء مسجد أو حفر بئر أو كفالة يتيم، وجاء ذلك الاستغلال عبر اتخاذ الشكل المقبول مجتمعياً والمرتبط بالصورة الذهنية لمن يقوم بالعمل الخيري.. ضرورة فك الارتباط بين الشكل الخارجي لمن يقوم بحمع التبرعات على وجه الخصوص وممارس العمل الخيري على وجه العموم بات ضرورة كبيرة لأكثر من بعد وسبب يأتي على رأسها البعد الأمني حيث الشواهد تؤكد في بعضها ذهاب تلك التبرعات لدعم العمل الإرهابي او الاستفادة الشخصية والثراء..، فيما نجد أن أغلبها كما ذكرت الزميلة الرائعة أميمة الخميس يوم أمس الاول في زاويتها “منطق الغيم” أن أغلب برامج العمل الخيري يركز على ملء البطون، وتلك الحقيقة نلمسها جميعاً، حيث نجد أنفسنا وخاصة الأفراد قبل دخول رمضان نشارك من نعرف من المحتاجين مؤونة الشهر المبارك.
وهذا ممتاز، بل ويمثل شكلاً من أشكال التكافل الاجتماعي، وإن كنا نتقبله من الأفراد متوسطي الدخل فلن نجده مناسباً للمقتدرين من الأثرياء أو من المؤسسات الكبرى.
منظور العمل الخيري من الضروري أن يتماهى مع البرنامج الإصلاحي لخادم الحرمين الشريفين في التطور والتقدم.. بداية تنويع العمل الخيري وربطه بالتنمية المستدامة بحيث يحتوي ضمن مايحتوي على برامج التدريب والتأهيل والتعليم.. أن يدخل في بناء المؤسسات الخدمية المهمة مثل المراكز الطبية والمدارس النموذجية. أيضاً أن يشمل المنح التعليمية محلياً وخارجياً.. ولعل قائدنا في نمطية العمل الخيري هو الضمان الاجتماعي والذي للأسف بات نظاماً يورث الفقر بين الأجيال في الأسرة الواحدة.. ولعل استخدامه نسبة زيادة المستفيدين منه كمؤشر للنجاح دليل على فلسفته الخاطئة في القياس.. بمعنى أنه يوسع دائرة الفقر ولايقلصها..، ولعل إشكالية العمل الخيري لدينا تكمن في نمطيته وفي ربطه بالمظهر الخارجي للقائمين عليه، وأخشى أن يأتي وقت يرتبط فيه أيضاً بالمستفيدين منه، وهنا نعمق المشكلة بأبعاد أخرى قد تكشف المؤسسة الأمنية خطورة ذلك، ولكن بعد فوات الأوان، ولعل لنا في شواهد الواقع الحالي مايؤكد ضرورة فصل العمل الخيري عموماً والتبرعات على وجه الخصوص بالمظهر الخارجي للفرد رجلاً كان أو امرأة.. وجعل العمل الخيري مرتبطاً بالمؤسسات المصرح لها وليس مرتبطاً بمظهر الأفراد.. مع التأكيد على ضرورة اقتصار نشاطها على محتاجي الداخل على أن تكون جميع المؤسسات الخيرية تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية فقط، ولا تتنوع المظلة الإشرافية ليسهل المتابعة وتقنين العمل والارتقاء به وعدم اختراقه بسبب تشتت الجهات الرقابية والاشرافية مع تكاملها في منظومة واحدة لتحقيق الارتقاء بالمحتاجين وليس مجرد إشباعهم المؤقت وفق استراتيجية للعمل الخيري تستهدف الإنسان وتتقدم بالإنسان النزيه والمؤمن بالعمل الخيري قناعة وإدراكاً وليس فقط مظهراً خارجياً.
المصدر : جريدة الرياض - 26 رجب 1435 هـ - 25مايو 2014م