د.أيمن بدر كريم - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1649

فتاة تدفع لعمّها نصف مليون ريال لكي يوافق على تزويجها”، عنوان قصة مأساوية تداولتها مصادر إخبارية عديدة، أفادت أن الفتاة الثلاثينية تساءلت عن أسباب رفض عمّها (وليّ أمرها) للعرسان المتقدمين لزواجها منذ أن كانت في العشرين من عمرها، فكان جوابه: “لن أوافق على أي عريس حتى تتنازلي عن المال الذي ورثتِهِ من والديك”، وهو مبلغ نصف مليون ريال، وبحسب أحد المحامين، فقد رأت الفتاة الحد من المشكلات العائلية، وعدم رفع دعوى “عضل” ضد عمها، ووافقت على التنازل عن ميراثها بالكامل إلى عمها الذي وافق فورًا على أول عريس تقدم إليها!!.

وأثارت هذه القضية الاجتماعية الإنسانية الخطيرة ردود أفعال وتعليقات كثيرة، امتلأ بها حسابي في “تويتر”، جميعها أبدت استنكارها وصدمتها البالغة، وذهولها من وجود حالات تشبه إلى حد كبير المتاجرة بالبشر، وتمثل أنواع القهر الإنساني باسم الولاية، وأساليب أرخصها الابتزاز والحبس، والتسلّط والتلاعب.

وفي غمرة إحباطي، تساءلْت: ما هي يا تُرى طبيعة الظروف الاجتماعية التي تعرّضت لها هذه الفتاة؟ وما هي مشاعرها العاطفية والإنسانية التي احتقنت داخلها جراء سنوات من القهر والعضل؟ كيف استقبلت جواب “ولي شرعي” يُـفترض أن يقوم على خدمتها ويراعي مصلحتها ويلبي رغباتها؟ وكيف يصحُّ أن يُعطى حق تقرير مصير دراسةِ وعملِ وسفرِ امرأة بالغة عاقلة راشدة، لرجل قد يقصر هو عن تقرير مصيره وضبط سلوكه الشخصي، لمجرد أنه قريبٌ ذَكَر؟! ألا يُمثّل موقف عمّها المسيء، مواقف كثير من أولياء الأمور الذين يستغلون ولايتهم على نسائهم بشكل قبيح، وبخاصة في أوقات حاجتها لإصدار تصاريح سفر، والسماح لها بالعمل، والموافقة على بعثتها الدراسية، وحتى للحصول على حضانة أبنائها وورقة طلاقها؟ ولماذا اختارت الفتاة عدم رفع دعوى “عضل” ضد عمّها الظالم؟ هل تعرّضت لضغوط من أهلها ومجتمعها بحجة العيب؟ أم تنازلت عن حقها في ميراث أبيها لمعرفتها بطول الإجراءات القضائية، وعدم ضمانها سير القضية لصالحها، في مجتمع ذُكوري بامتياز؟!.

أمّا السؤال الأخطر: هل ضحّت هذه الفتاة بـ”نصف مليون ريال” لتنتقل ولايتها من عمّ ظالم، إلى ولاية زوج قد لا يخاف الله فيها؟! ومتى يمكن لأنظمة الأحوال الشخصية، وقوانين منظمات حقوق الإنسان أن تتطوّر بغية الاعتراف بالمرأة كائنًا إنسانيًّا كامل الأهلية، وحماية حقوقها من الانتهاكات، في ظل تكرر الحالات المأساوية، وضياع كثير من حقوقها الشرعية والمالية، وخدْش كرامتها الآدمية؟!.

المصدر : جريدة المدينة - الثلاثاء 19شعبان 1435 هـ - 16يونيو 2014م