كلمة الاقتصادية - جريدة الإقتصادية

عدد القراءات: 1341

مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي استطاع أن يحقق قفزة في طبيعة المنازعات التي ينظرها ويفصل فيها، حيث تصدى للفصل في بعض المنازعات العقارية والهندسية التي يرغب أطرافها في الخضوع لولاية التحكيم من خلال المركز الذي يحقق للخصوم السرعة والسرية في الفصل في المنازعات واكتساب أحكامه الصفة النهائية وحسم النزاع وهذه الخطوة تأتي بعد عزوف شديد عن اللجوء إلى التحكيم. وكان لا بد من النظر الجاد إلى وضع التحكيم ومدى اتفاقه إيجاباً مع الوضع القانوني في منظمة التجارة العالمية، وعلى الأخص ما قد يعد قصوراً في الجانب التنظيمي لقضاء التحكيم، والأهم تلك الحلول البديلة التي يبحث عنها الراغبون في اللجوء إلى التحكيم، حيث لا خيار أمامهم في اختيار التحكيم الدولي الخارجي.

إن الأمل معقود بالفعل على مركز التحكيم التجاري السعودي، فالقضاء التجاري يعاني كم القضايا التجارية ونوعها وبطئا شديدا يتنافى مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على السرعة والاستثمار الأمثل للمال والوقت والجهد، فضلا عن عدم وضوح كافٍ للرؤية في بدء انتقال الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى جهة القضاء العادي، وتكوين المحاكم التجارية لتكون محاكم لها استقلال وذاتية متميزة من بين المحاكم، وكذلك بدء دوائر الاستئناف التجارية وفتح باب الترافع أمامها عمليا بدلا من نظام التدقيق المعمول به حاليا، حيث لا يمكن اعتباره استئنافا على أي حال. ولأهمية فعالية التحكيم وعدم تعرُّض قراراته للنقض إلا في أضيق نطاق متى مسّت العدالة بشكل واضح، فإن دورا مأمولا من وزارة العدل ينتظره التجار والشركات والمؤسسات التجارية.

إن أهم ما يمكن الإشارة إليه أن أحكام هيئات التحكيم ستكون نهائية مكتسبة لحجية الأمر المقضي به وتكون تلك الأحكام واجبة النفاذ حسب نص المادة 52 من النظام الجديد، وهذا يعني أنه لن تكون هناك ولاية للمحكمة المختصة على مراجعة أحكام التحكيم وفق سلطتها التقديرية المطلقة، وهذا في حد ذاته يعد نقلة نوعية كبيرة في قضاء التحكيم الذي كان يدور في حلقة مفرغة بين هيئات التحكيم والمحاكم المختصة حتى تضيع معالم القضية وتتحول إلى مجموعة من الأوراق في ملف دعوى خالية من أي قيمة تنفيذية لمحتوى ذلك الحكم الذي قد يستغرق وقتاً طويلا وجهدا ومالا غير مسترد في جميع الأحوال، فضلا عن أنه يغلق الطريق أمام من يريد اللجوء مباشرة إلى القضاء.

ومع كل الأمل في أن يكون التحكيم المحلي لدينا قد لبس ثوبا جديدا بصدور نظامه الجديد، إلا أن هناك دعوى أوردها النظام الجديد وسمّاها دعوى بطلان حكم التحكيم وقد تضمنها الباب السادس من النظام وفصل القول فيها في المواد 49 و50 و51 وهي الطريق الوحيد لمَن أراد أن يعترض على حكم التحكيم، فهذه الدعوى هي الوسيلة الوحيدة التي يسلكها مَن أراد إبطال حكم التحكيم. وما يجب قوله بكل مصارحة: إن قبول هذه الدعوى لا يكون إلا في حالات محدّدة، على سبيل الحصر، لكنها قد تعيدنا إلى الوضع السابق، حيث نصّت الفقرة الثانية من المادة 50 على أن “تقضي المحكمة المختصّة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام”.

المهم أن قرار مجلس الوزراء إنشاء مركز باسم “المركز السعودي للتحكيم التجاري” تحت مظلة مجلس الغرف التجارية والصناعية، ويكون مقر المركز الرياض، ليتولى هذا المركز الإشراف على إجراءات التحكيم في المنازعات التجارية والمدنية التي يتفق الأطراف على تسويتها تحكيميا وفق ما تفي به الأنظمة واللوائح والمبادئ القضائية المستقرة، ولا يدخل في اختصاص هذا المركز المنازعات المتعلقة بالقضايا الإدارية والأحوال الشخصية والجزائية وما لا يجوز الصلح فيه.

المصدر : جريدة الإقتصادية - يوم الأربعاء 10 شوال 1435 هـ. الموافق 06 أغسطس 2014