حسين أبوراشد - جريدة المدينة

عدد القراءات: 1942
القضاء من أهم البنى التي تقوم عليها المجتمعات وبما يقوم عليه من بث لمفاهيم العدل وردِّ المظالم والاقتصاص والإنصاف في ثقافة ووعي المجتمع. ومشروع تقنين الأحكام القضائية في حقيقته هو استكمال لدعوة ومطالبات سابقة حين أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته بتشكيل لجنة فقهية متخصصة تتولى إصدار مجلة للأحكام الشرعية من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة؛ لكن لعله لإشكالية ما أو نحوها لم يتم التقنين. وفي عهد الملك فيصل رحمه الله حظي تقنين القضاء باهتمام كبير حيث وجه أمره في عام1393هـ إلى هيئة كبار العلماء لمناقشته، وقد انقسمت الآراء وقتها بين مؤيد ومعارض ليصدر قرار الهيئة بمنع التقنين وعدم جوازه برأي الأغلبية. ثم كان من نتائج ذلك المنع أن تباينت الأحكام القضائية (التعزيرية) الصادرة عن القضاة بشكل لافت وفي القضية الواحدة بسبب ترك باب الاجتهاد للقاضي واختياره من الآراء الفقهية مايشاء .
وفي إحدى المناسبات أفاد أحد أصحاب الرأي مما أثارقوله دهشة الجميع بأن حكماً شرعياً صدر بحقه يقضي بسجنه عشرين عاماً وجلده اثني عشر ألف جلدة ناهيك عن أحكام صدرت ضد أشخاص لم يكونوا إرهابيين أو مرتكبي جرائم وصدرت بحقهم أحكام قضائية أيضا تقضي بسجنهم عدداً من السنوات أثارت دهشة من سمع بالحكم,والأغرب من ذلك هو تفاوت الأحكام مع تطابق التهم والجنايات من محكمة لأخرى.
إن مشروع تقنين الأحكام القضائية هو مشروع أعدته اليوم وزارة العدل ضمن مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء, حيث تم اختيار مدونة الأحكام من بين 25 ألف حكم مشتملة على تصنيفات من أحكام مختلفة. هناك جملة من الفوائد لمثل هذا المشروع من أهمها إسهامه في التعريف بالأحكام التعزيرية لكل قضية حسب طبيعتها الأمرالذي يسهل مراجعتها من قبل المحامين والمتخاصمين, ثم البعد بالقاضي عن شبهة الانحياز.لقد بات تقنين الأحكام القضائية مطلباً أساسياً دعا إليه اختلاف الأحكام مع تطابق الحالات في المحاكم. إن مثل هذا المشروع سيحد حتماً من اختلاف الأحكام وتباينها من قضاة محكمة لأخرى, وسيوفرالجهد والوقت, مع ما سيترتب عليه من وجود ثروة هائلة من الأحكام تسهل على القاضي الرجوع إليها للتعرف على الحكم في القضية المعروضة عليه. التقنين في الأحكام أن يتبعه تقنين صياغة وتبويب الاحكام في مواد نظامية مبوبة يسهل الرجوع إليها وقت الحاجة. إن تقنين الأحكام يؤدي إلى سد نقص خبرة بعض القضاة حديثي العهد, وكذلك هو يولّد رضا الجميع ويعزز ثقة المتخاصمين. كما أن تقنين الاحكام القضائية فيه تسهيل للمحامين في التعامل مع القضاة، بحيث يصبح عمل جميع الأطراف جزءاً لا يتجزأ من الوصول إلى العدالة التي هي مطلب الجميع.
إن مشروع الملك عبدالله -حفظه الله- لتطوير القضاء بإشراف معالي وزير العدل يسير بخطوات ناجحة وقد ظهرمشروع التقنين للنور بعد أن ظل حبيساً عن الإنجاز والتنفيذ, وهو المشروع الذي طال انتظاره ولم يتبقَّ منه إلا استكماله في صورته النهائية بعد اكتماله من وزارة العدل ورفعه للمجلس الأعلى للقضاء تمهيداً لاعتماده وهو الجهد الذي تشكر عليه الوزارة وكل القائمين عليه. ولعلنا نطرح السؤال التالي: كم من الوقت سيستغرق هذا المشروع لدى المجلس الأعلى للقضاء؟ هل من وقت معين أم سيمكث وقتا غير محدد ؟! نتمنى أن لا يطول وأن نرى المشروع قريباً ..

المصدر : جريدة المدينة - الأحد 1435/10/20 هـ. الموافق 16 أغسطس 2014