كلمة الاقتصادية - جريدة الإقتصادية

عدد القراءات: 4125

تعد الإدارة القانونية الركيزة الأساس لعمل الجهات في القطاعين العام والخاص، ولكي تستقيم أعمال هذه الجهات وإجراءاتها فلا بد من وجود إدارة أو وحدة قانونية تضم كوادر قانونية مؤهلة، ولديها الخبرة لتسيير أعمالها بكل مهنية، وتطبيق الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بكل شفافية ونزاهة بما يحقق أهداف الجهة، ويكفل قيامها بتنفيذ المهام المنوطة بها بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية.

وهنا سأتطرق إلى سبل تمكين الإدارات القانونية من القيام بمهامها في الجهات الحكومية، وسيكون المقال القادم مخصصا للإدارات القانونية في القطاع الخاص، وبالأخص في جانب الشركات المساهمة، نظرا إلى اختلاف الأهداف والمهام بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ومن ثم اختلاف نوعية مهام الإدارة القانونية في القطاعين تبعاً لذلك.

فعلى المستوى الحكومي، تقوم الإدارة القانونية بمهام متعددة، من أهمها تقديم الرأي والمشورة القانونية، ودراسة ما يحال إليها من شكاوى وتظلمات، والاشتراك في لجان التحقيق، كما تقوم بدراسة ومراجعة مشاريع الأنظمة واللوائح، ومن بين مهامها إعداد الدراسات والأبحاث القانونية، وتقوم كذلك بمراجعة ودراسة القرارات والتعاميم والتعليمات التي يصدرها الجهاز عبر إداراته المختلفة قبل صدورها من الناحية القانونية، والتحقق من تكييفها وتوافقها مع الوجه القانوني، والعمل على دراسة وتوحيد جميع الإجراءات القانونية المعمول بها في داخل الجهاز وفروعه.

ويمتد دور الإدارة القانونية إلى مراجعة العقود والاتفاقيات التي يبرمها الجهاز مع الجهات الداخلية والخارجية، وتمثيل الجهاز فيما يرفع منه أو عليه من قضايا أمام المحاكم أو الجهات ذات الصفة القضائية والتحكيمية بأنواعها ودرجاتها المختلفة، أو تكليف من تراه للقيام بذلك، إضافة إلى توثيق الأنظمة والقرارات واللوائح والاتفاقيات وحفظها وتنظيمها بالشكل الذي يسهل الرجوع إليها عند الحاجة من خلال إيجاد قواعد معلوماتية إلكترونية.

ومع أهمية تلك المهام التي تقوم بها الإدارة القانونية في أي جهة حكومية، فإن هناك عدداً من الجهات الحكومية لا تزال في حاجة إلى أن تمنح المزيد من الاهتمام بالإدارة القانونية لديها وأهمية تفعيل دورها وتمكينها من القيام بمهامها والاعتماد عليها ومنحها الاستقلالية وتوفير ما تحتاج إليه من الكوادر القانونية المؤهلة.

ويمكن القول إن تفعيل دور الإدارة القانونية في الجانب الوقائي وخصوصا ما يتعلق بالعقود التي تبرمها الجهة الحكومية والقرارات الإدارية التي تصدرها، لا يزال ضعيفاً إن لم يكن مغيباً في بعض الجهات، ولو اهتمت به هذه الجهات لتقلصت خسارتها كثيرا، إن لم تنعدم على مستوى الدعاوى المرفوعة عليها أمام ديوان المظالم أو الجهات القضائية المختصة، إذ إن من المعروف أن القانونيين لديهم المعرفة النظامية التي تحمي الجهة من الملاحقة القضائية، كما أن إشراكهم وتفعيل دورهم في مراجعة العقود والقرارات التي تتخذها الجهة يسهم في نقل الثقافة القانونية إلى المسؤولين التنفيذيين، ما ينعكس على القرارات التي تتخذها الجهة بأن تكون متوافقة مع الأنظمة والتعليمات، إضافة إلى حماية الموظفين من القرارات التعسفية التي قد تتخذ ضدهم من قبل بعض المسؤولين، ولذلك ينظر الكثير إلى أن الإدارة القانونية تمثل دور المحامي للموظف إذا ما تم تفعيل دورها في مراجعة القرارات الإدارية.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك جهات حكومية اهتمت بالعمل القانوني منذ نشأتها، وفي مقدمتها يأتي مجلس الوزراء الذي أدرك أهمية العمل القانوني، وأنشأ هيئة متخصصة في الجانب القانوني (هيئة الخبراء) في مجلس الوزراء، وربطها مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ومكّنها من القيام بدورها القانوني من خلال توفير الكوادر القانونية المؤهلة التي تضم نخبة كبيرة من القامات القانونية المتميزة، إضافة إلى منحها الاستقلالية والاعتماد عليها وما تقدمه من دراسات وتقارير ومحاضر متميزة بكل مهنية واحترافية. وتأتي الهيئة العامة للسياحة والآثار من بين الجهات الحكومية التي اهتمت بالبناء القانوني منذ نشأتها، وكوّنت إدارة قانونية متكاملة، ومنحتها الاستقلالية الكاملة، وربطتها برئيس الهيئة مباشرة، ووفرت لها ما تحتاج إليه من كفاءات قانونية، ومكّنتها من القيام بمهامها وتفعيل دورها، وقد أثمر عن ذلك صدور منظومة متكاملة من الأنظمة واللوائح للسياحة والآثار والتراث العمراني، كما أثمر تفعيلها لدور الإدارة القانونية واهتمامها بالجانبين الوقائي والعلاجي عن كسب الهيئة لجميع الدعاوى أمام ديوان المظالم، سواء المرفوعة منها أم عليها، وهو أمر نادر قد يجعلها الجهة الحكومية الوحيدة التي حققت هذا الإنجاز.

ولعل من نافلة القول التنويه إلى أن نجاح الإدارة القانونية في قيامها بدورها في أي جهة حكومية مرتبط بدرجة كبيرة بقناعة المسؤول الأول في هذه الجهة بأهمية العمل القانوني، وحرصه على تحقيق النزاهة والعدالة، ولذلك نجد أن السبب الأساس الذي مكّن الهيئة العامة للسياحة والآثار من تحقيق نجاح كبير في مسارها النظامي يرجع إلى رئيسها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الذي غرس العمل القانوني في الهيئة منذ يومها الأول، وجعل مبادرة الأنظمة والتنظيم أهم مبادرات الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية، ولم يغب عنه النظام يوما في حياته، وإيمانا منه بأهمية الدور القانوني أصبح العمل القانوني جزءا من منهجيته الإدارية في جميع الجهات الإدارية والخيرية التي يشرف عليها.

المصدر : جريدة الإقتصادية - 23 ذو القعدة 1435 هـ. الموافق 18 سبتمبر 2014