محمد الجذلاني - جريدة الرياض

عدد القراءات: 1302

 شهد القضاء في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز “غفر الله له” الكثير من خطوات التطوير والإصلاح. وتعتبر الأنظمة القضائية بما اشتملت عليه من ملامح عهد قضائي جديد؛ أبرز خطوات هذا التطوير الضخم الكبير.

إلا أنه عند تتبع ما يطرحه وينادي به المختصون في القضاء، من قضاة ومحامين وغيرهم، من مطالبات ومقترحات، نجد أن هناك الكثير جداً من الإنجازات والإصلاحات التي ما تزال على قائمة الانتظار، مما أظن أنه لا يكتمل إصلاح القضاء، أو لا يمكن أن يتحقق تطوير القضاء على الوجه المأمول، إلا بتحقيقها.

وإذا كنتُ من منطلق تخصصي أرغب تناول هذه الجوانب وتسليط الضوء عليها، فإن مما شجعني أكثر على ذلك، ما لمحته من عناية واحتفاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ” أيده الله وحفظه ” بالقضاء والشرع والقانون، ذلك الاحتفاء الذي بدأ منذ وقت مبكر في إمارة منطقة الرياض، التي لا يمكن لكل من عمل فيها أو اطلع على مسيرة سلمان بن عبدالعزيز خلالها، أن ينسوا كلمته المشهورة، وتوقيعه الأبرز على المعاملات، بعبارة (الشرع مطهرة) أو سؤاله لصاحب الشكاية: هل ذهبت للشرع؟

 إذا كان ما أنجزه الملك عبدالله «رحمه الله» للقضاء من تطوير وإصلاح، كان ضخماً وتاريخياً لا يستهان به ؛ فإن ما بقي قيد الانتظار لا يقلّ أهمية عن ذلك، ولا يمكن للقضاء والمحاماة الاستمرار في طريق التطوير دون تحقيقه
 ويستمر هذا الاحتفاء والعناية من خلال تشكيل أول حكومة فور تقلده “أيده الله” للحكم، والتي جاءت حافلة بالكثير من رجال الشرع والقانون في أهم الوزارات والمناصب.

وعلى ذلك فحُقّ لي ولغيري من المتخصصين أن نبسط رداء الآمال حتى لا يكاد ينتهي إلى طرف، بالكثير من طموحاتنا واحتياجاتنا ومطالبنا في عالم القضاء والمحاماة.

وإذا كان ما أنجزه الملك عبدالله “رحمه الله” للقضاء من تطوير وإصلاح، كان ضخماً وتاريخياً لا يستهان به ؛ فإن ما بقي قيد الانتظار لا يقلّ أهمية عن ذلك، ولا يمكن للقضاء والمحاماة الاستمرار في طريق التطوير دون تحقيقه.

كما أنه وإن كان ما أنجزه الملك عبدالله “رحمه الله” في تطوير القضاء كان يتطلب قدراً كبيراً من الإرادة الجازمة، والدعم الكامل؛ فإن ما بقي من إنجازات أيضاً يتطلب نفس القدر أو أكثر من العزم والحزم والرؤية الشمولية، مما لا أشك أنها لا تعوز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان “أيده الله وحفظه” ولا سيما والرجل الذي طالما كانت له بصماته في الإنجازات هو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز “وفقه الله” وهو ذو رحم ٍ في أهل القانون ، نهلَ من ذات المنهل الذي وردوه، وفاقهم كثيراً بنيل شرف التخرج في جامعة سلمان بن عبدالعزيز الشخصية، وتربى على خصال والده الحميدة واستقى من معين حكمته وعزيمته.

والحديث عن الجوانب التي ما زال القضاء يتطلع إلى تحقيقها وإنجازها، قد لا يسعه هذا المقام؛ إلا أني سأشير إلى ما أظنه من أهمها، إن لم يكن أهمها:

أولاً: ما زالت المسافة بين الشريعة والقانون تشتكي الجفاء والانقسام الذي لم يعد مقبولاً، ولا يمكن للقضاء أن ينجح في ظل استمرارها، وذلك من خلال قصر تعيين القضاة على من كان من خريجي كليات الشريعة فقط، مع كون كليات الشريعة لا تعير أي اهتمام بدراسة القانون، ولا يتاح للدارس فيها أن يحصل على أدنى تصور عن أنظمة القضاء والمرافعات، ويتخرج وهو لا يُحسن قراءة القواعد القانونية، ونصوص القوانين، واستنباط الأحكام القانونية منها.

بينما يبقى أيضاً خريجو كليات القانون والأنظمة محرومين من الالتحاق بالقضاء بحجة افتقادهم لدراسة مواد الشريعة اللازم دراستها للقاضي الشرعي. وهكذا يستمر العزل التام بين تخصصين لا يمكن النظر إليهما إلا كالرئتين للجسد، لا تغني إحداهما عن الأخرى.

ثانياً: ما زالت الآلية التي يتم من خلالها اختيار وتعيين القضاة، تتسم بالقصور، إذ ما دام القاضي يتم تعيينه بمجرد حصوله على درجة البكالوريوس دون الالتفات في عوامل صغر السن، وضعف التجربة، وجوانب الشخصية الأخرى ذات الأهمية؛ فإن ذلك لا يمكن أن يوصلنا إلى الدرجة المأمولة من تميز القضاء وجودة أحكامه، وضبط إجراءاته.

ثالثاً: ركّز مشروع تطوير القضاء – إلى الآن – على التنظيمات والتجهيزات والمباني وعناصر التقنية، في حين أغفل جانباً لا يقل أهمية عنها ، ألا وهو الالتفات للعنصر البشري المسؤول عن إنجاز خطط التطوير، وذلك من خلال استمرار وضع القضاة وأعوان القضاة على ما هو عليه، من ضعف الرواتب، وانعدام الحوافز، وفقدان الحقوق الوظيفية الأخرى التي يحظى بها موظفو العديد من القطاعات الأخرى الحكومية والخاصة، ممن ليسوا أبداً في نفس مستوى أهمية القضاء وخطورته وحساسية دوره.

وما تزال لائحة الحقوق الوظيفية للقضاة حبيسة الأدراج، مما أدى لبقاء الوضع على ما هو عليه، فالقاضي لا يؤمن له العلاج ولا السكن، ولا يُلتفت إلى تفقد حاجاته الحياتية التي لا يمكن تركه يصارعها وحيداً، ولا يمكن له أن يستعين فيها بأي أحد من الناس، حتى لا يخرق ذلك مركب استقلاله وحياده.

رابعاً: في جانب الهيكل والتنظيم القضائي؛ ورغم التوجه لبسط سيادة القضاء على كافة مجالات النزاعات؛ إلا أنه ما زال هناك قصور واضح ، وتباطؤ يكدر صفو قوة ومتانة جهاز القضاء، عبر استمرار الكثير من اللجان التي تمارس أعمالاً قضائية ً دون تحقيق كامل عناصر وضمانات التقاضي لديها.

وإن من أهم ما ينبغي المسارعة في إصلاحه وتداركه، سرعة معالجة وضع هذه اللجان التي تمارس أعمالاً قضائية، وتحويل أعمالها واختصاصاتها إلى محاكم مستقلة تتمتع بكافة عناصر وضمانات التقاضي.

وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يوفقه وحكومته لتحقيق رخاء البلد واستقراره واستمرار مسيرته نحو العز والريادة. والحمد لله أولاً وآخرا.

* القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً

المصدر : جريدة الرياض - 04 فبراير 2015م