سعود بن هاشم جليدان - جريدة الإقتصادية

عدد القراءات: 1158

أصدرت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات نشرة القوى العاملة – الدورة الثانية – لعام 1435هـ الموافق لشهر آب (أغسطس) من عام 2014م. وقد أظهرت النشرة أن معدل البطالة لجميع القوى العاملة في المملكة وصل إلى 5.7 في المائة خلال فترة المسح. ويسري جدل أحيانا حول كون معدلات البطالة في المملكة مرتفعة أم منخفضة. ولتحديد الجواب يمكن مقارنة معدلي البطالة لجميع القوى العاملة والقوى العاملة السعودية مع المعدلات العالمية. ويبدو أن معدل بطالة جميع القوى العاملة معتدل ومقبول عند مقارنته بمعدلات البطالة في بعض الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتين سجلتا أخيرا معدلي بطالة بلغا 5.7 في المائة، 5.6 في المائة على التوالي، ولكنه مرتفع بعض الشيء عند مقارنته بمعدلات البطالة في بعض الدول ذات الأداء الاقتصادي المتميز والرفاهية العالية كقطر، والنرويج، وبروناي، وماليزيا، وسويسرا، واليابان. وسجلت تلك البلدان معدلات بطالة منخفضة بلغت أخيرا 0.3 في المائة، 3.1 في المائة، 2.6 في المائة، 3.0 في المائة، 3.1 في المائة، 4.0 في المائة على التوالي.

من ناحيةٍ أخرى فإن معدل البطالة الكلي في المملكة يبدو جيدا عند مقارنته بمعدلات البطالة في معظم دول العالم.

وتظهر البيانات تدني معدلات البطالة بين العمالة الوافدة وهذا هو المتوقع، حيث إن هذه العمالة قدمت بتأشيرة عمل وستغادر البلاد في حالة فقدانها للعمل. وتنخفض معدلات البطالة بين القوى العاملة الأجنبية، حيث تبلغ نحو 0.3 في المائة، وتبدو هذه النسبة منخفضة، كما أعتقد أن هذا المعدل لا يشمل العمالة المقيمة بصورة غير شرعية التي ترتفع فيها معدلات البطالة بسبب الظروف القانونية. ويخفي معدل البطالة لجميع القوى العاملة في المملكة معدل البطالة الأهم وهو معدل بطالة العمالة الوطنية الذي يزيد على ضعف المعدل العام للبطالة، حيث وصل إلى 11.7 في المائة كما ورد في البحث. ولا توضح النشرة التوزيع الجغرافي للبطالة ولهذا يصعب معرفة المناطق الجغرافية التي تعاني أكثر من غيرها من ارتفاع البطالة ولكن من الواضح أن المناطق الإدارية التي تقع في أطراف المملكة ترتفع فيها معدلات البطالة.

ومن اللافت للنظر أن بيانات المسح تعد من يعمل ساعة أو أكثر بقليل وحتى لو كان متطوعا أو يعمل لعائلته شخصا غير متعطل، أي أن العامل جزئيا شخص مشتغل. وتظهر النشرة أيضا عدم وجود رجال متعطلين فوق سن الستين (لم توضح النشرة العمر هل هو بالهجري أم بالميلادي)، وهذا يستثني العاطلين فوق هذا العمر. وسيكون معدل البطالة أكبر مما جاء في النشرة وحسب بياناتها لو اعتبرنا آلاف الأشخاص الذين يعملون لساعات قليلة أو تفوق أعمارهم 60 عاما ويبحثون عن عمل ولا يجدونه. وترتفع معدلات البطالة السعودية بين النساء بشكل عام وخصوصا المتعلمات الحاصلات على الشهادات الجامعية وبين الرجال الشباب الأقل من 30 عاما خصوصا الحاصلين على التعليم الثانوي.

وتعد معدلات البطالة بين المواطنين مرتفعة مقارنة بمعدلات البطالة العالمية في معظم دول العالم ولكنها ليست سيئة، فهناك عديد من الدول التي تعاني معدلات بطالة أكبر من هذه المعدلات ولكنها لا تحظى بموارد اقتصادية جيدة مثل المملكة. وترتفع معدلات البطالة بحدة بين فئات معينة على الرغم من التحفيز المالي والنقدي الأقوى منذ نشأة هذه البلاد. وقد شهدت الأعوام القليلة الماضية وخصوصا عام 2014م أكبر إنفاق حكومي في تاريخ المملكة، كما أن معدلات الفائدة منخفضة جدا ومستويات السيولة مرتفعة لدرجة أن مؤسسة النقد العربي السعودي أصدرت إذونات تفوق 400 بليون ريال لسحب السيولة الفائضة من الاقتصاد المحلي. إن ارتفاع معدل بطالة العمالة الوطنية في ظل الأداء الجيد للاقتصاد الوطني خلال الأعوام القليلة الماضية يشير إلى أن معظم هذه البطالة بطالة هيكلية وأن جزءا أقل منها دوري أو موسمي أو احتكاكي أو طبيعي، حيث عجز التحفيز الاقتصادي ومستويات التوظيف الحكومية العالية خلال السنوات القليلة الماضية عن خفضها تحت هذه المستويات. وتثير مستويات البطالة هذه القلق بسبب توقع دخول مليون ونصف المليون يد عاملة وطنية جديدة إلى سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة والتراجع المتوقع لقوة التحفيز المالي والنقدي لتراجع إيرادات النفط والارتفاع المتوقع لمعدلات الفائدة.

وفي ظل الظروف المتوقعة خلال الفترة المقبلة، يتطلب خفض معدلات البطالة أو على الأقل منعها من الارتفاع إصلاحات هيكلية مؤثرة ومبدعة في قطاعات الاقتصاد وأسواق العمل. وعموما تزعج معدلات بطالة العمالة الوطنية وتركزها بين الشباب والنساء كثير من صناع القرار في المملكة، حيث تلقي عليهم مسؤولية كبيرة خصوصا أنها لم تتراجع خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت نهضة اقتصادية قوية وجهودا مضنية استهدفت خفضها.

المصدر : جريدة الإقتصادية - 10/5/1436هـ يوم الأحد الموافق 2/3/2015م