عبده الأسمري - صحيفة الشرق

عدد القراءات: 992

خلال سنوات العمل الصحافي دائماً ما كنت ألمس آلاماً، وأحزاناً تحتبس تارة، وتتجلى تارات من مراجعين يصطفون على أبواب المسؤولين في المناطق، بحثاً عن خدمة، وحق، بل ويزداد الأمر سوءاً عندما يُواجهون بالطرد، أو السب، أو الشتم، أو الاستهزاء من قياديين وُضِعوا من أجل خدمة هؤلاء الضعفاء، وأصحاب الحقوق، وبعضهم مسنون، ومرضى، ومن ذوي الظروف الخاصة، وآخرون حاملو أوجاع، ومكلومون، وبدلاً من معالجة أوجاعهم، وخدمتهم، يُعاملون بتجاهل، وسوء، حتى من أعلى مسؤول في هرم الإدارة.
ولطالما ظلت هذه القضية موجودة، ومع الزمن بحَّت الأصوات، وضاعت التظلمات، وغابت الحقوق، التي تحولت إلى حروق يُكوى بها هؤلاء المراجعون.
بطبيعة الحال فإن هذه القضية لا تزال موجودة، بل ومتفشية في مواقع صنع القرار، وفي إدارات خدمية كثيرة. كم لدينا من منطقة، ومحافظة تدار فيها مواقع جُهِّزت، وتم تهيئتها لخدمة المواطن، وتحولت إلى مكان للوجع، وموقع للألم، يتجرعه المئات يومياً دون أن تصل أصواتهم إلى المراقب، أو المحاسب.
ما لا يعرفه عدد من الوزراء في مكاتبهم أن هنالك أصحاب معالي وهميون في أطراف البلاد، يمارسون إدارة التسلط، ويلعبون دور الوزير، ويأتون يومياً وهم يلبسون البشوت، والسائقون في انتظار استقبالهم «موظف المكتب»، لحمل حقائبهم الفارغة، وفتح باب المصعد لهم، وعندما يصلون إلى المكتب يستقبلهم التابعون بالبخور، والعود، والقهوة، ثم يغلقون على أنفسهم المكاتب فارضين أسلوباً بائساً من الغرور، والتسلط، و»الهالات، والبهرجة» فلا يحق لمراجع أن يقترب منهم، ولا يمكن في ظل هذا «البريستيج» الدخول إلى منطقة عملياتهم «المدير العام» فهم لا ينظرون في اليوم إلا للمعاملات، ولا يقومون إلا بالتوقيع، بل إن عدداً كبيراً منهم في المناطق لا يعرفون مكاتب زملائهم، ولا حتى تفاصيل عملهم، وإنما يتعاملون فقط مع هذا الواقع المرير، الذي أوقعنا، ولا يزال في بؤرة التخلف الإداري، والرجعية الإدارية.
ما لا يعلمه الوزراء الحقيقيون المعيَّنون بأمر سامٍ، وبثقة ملكية أن هذا الغرور، والتعالي يهدم أركان التنمية، وأن هنالك فجوات بين مديري فروع الوزراء، وبين الأبعاد الحقيقية للتنمية، وأن المواطنين، الذين «يتراصون» يومياً على أبواب الوزارات في الرياض إنما هم هاربون من جحيم غرور المسؤولين في مناطقهم، وشاردون من سوء التعامل، والتجاهل، والتهاون في حل مشكلاتهم، كيف لا وقد بات الدخول على مديري العموم أشبه بالدخول إلى ثكنة عسكرية بسبب عدد موظفي السكرتارية، ومديري المكاتب، وحراس الأمن، ومن يصبون القهوة، وحاشية المدير العام من المطبلين، الذين يقفون حوله، وينتظرون نزوله من برجه، ويتأملون وقته الرخيص المهدر من أجل توقيع المعاملات.
الفساد ليس اختلاساً، ورشوة، وسوء استخدام سلطة بمفهومه السائد، أو سرقة فقط، وإنما أيضاً فساد التعامل الإداري، وما أوقف الحق، وعطَّل المطالَب، خصوصاً من مسؤول يدفع مواطنين مغلوبين على أمرهم إلى السفر، والخسارة، والمكوث أمام أبواب الوزراء، بدلاً من حل أمورهم وهم في ديارهم، وفي إدارات خصصت لهم، وإلا لماذا تم إنشاؤها بعشرات الملايين؟.
غرور المسؤولين، ومديري العموم في المناطق فساد كبير، ولكنه مع الأسف لم يُدرج في ملفات «نزاهة»، التي انتبهت إلى العمل البيروقراطي، ولغة الأرقام، ولم تلحظ الغرور في جولاتها الرقابية، والتحقيقية، رغم أنه حالة قائمة، فالوضع الراهن في فروع الوزارات بالمناطق سمته غرور يقتل التنمية، ويزهق آمال المواطن، ويجهض أحلام العطاء. وهنالك مَنْ يعمل مدير عمومٍ بـ «كاريزما» وزير، وبصلاحياته، وبـ «البرستيج» الأزلي البائد للوزراء من بشوت، وحرس مكتب.
تنازل الوزراء الشباب، والجدد، عن بشوتهم الملونة، والمواكب الآدمية، والمصورين، ولكن الظاهره موجودة في المناطق، فالمديرون هناك وزراء أمام موظفيهم، ومقابلتهم ضرب من المستحيل، وخروجهم من مكاتبهم غير ممكن، وكأنهم مهددون بالاغتيال.
الغرور فساد، وتواضع المسؤولين ركن من أركان نماء البلاد، وتحقيق مطالب العباد، وأتمنى من كل الوزارات أن تضع لها عنواناً، وبريداً سريعاً لتلقي الشكاوى، والتظلمات، ومعالجتها سريعاً، فهي – أي الشكاوى – في الإدارات الحكومية لدينا تختص بالشكوى من تعامل المسؤول، وغروره، وتجاهله، قبل أن تكون شكوى تخص تحقيق مطلب، لأن الشكوى من صانع القرار تسبق طلب إنهاء المعاملة، فلو غابت المظلمة الأولى لحُلَّت الثانية، وعلى الوزراء الحقيقيين أن يعاقبوا مَنْ يتقمَّص شخصياتهم، وصلاحياتهم، ومَنْ ينقل عنهم صورة خاطئة في أرجاء الوطن، وأتمنى أن تضع الأجهزة الرقابية في خططها التي تطورها حالياً التعامل، وأخلاق المسؤول جزءاً من ملفات الفساد، الذي يجب أن يخضع للرقابة، والمحاسبة والمساءلة فهو المعول «الأب»، الذي يهدم بناء التنمية لدينا.

المصدر : صحيفة الشرق - 3/4/2015