كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1668

سوق العمل في المملكة سوق معقدة جدا، وهناك كثير من نماذج العرض والطلب المتعددة المستويات التي قد تتعارض وتتداخل في السوق. سوق العمل في صورتها الشاملة هي عبارة عن أسواق متعددة، فهناك سوق للعمالة الأجنبية بمختلف أنواعها، وهناك سوق للعمالة المحلية، وهناك سوق للاستقدام وسوق للتوطين. في داخل كل سوق من هذه الأسواق هناك نماذج مختلفة أخرى، فهناك في سوق العمالة الأجنبية نجد العمالة الرجالية والعمالة النسائية، وهناك عمالة مهنية محترفة، وعمالة عادية، وعمالة منزلية، كل هذا تشرف عليه وتنظمه وزارة العمل. نظرا لهذه التعددية والتنوع الواسع في هذه السوق، فإن وزارة العمل تواجه مشكلات لا حصر لها من أجل تنظيمها ومراقبتها، ولعل ما شهدته سوق العمالة المنزلية النسائية من مشكلات خلال السنوات الماضية هو الذي دفع وزارة العمل أخيرا إلى إصدار جملة من القرارات والتنظيمات لتحسين وتطوير سوق العمالة المنزلية، شملت ضبط تكاليف ومدد الاستقدام، وتنظيم المبالغ المالية التي يدفعها المواطن، وتنشيط دور الشركات والمكاتب، وتحسين أداء السوق وتنويع الخيارات لزيادة التنافسية، وتفعيل دور المكاتب الخارجية للحد من تأخر العمالة، وتنفيذ الالتزامات التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة مع الدول. ومع أن الجميع متفق تماما مع هذه الخطوة من وزارة العمل، لكن السؤال الملح علينا هو السبب وراء تأخرها كل هذه السنوات، ولماذا تنبهت وزارة العمل إلى الفوضى العارمة التي أصابت سوق العمالة المنزلية؟

يصل حجم سوق العمالة المنزلية في المملكة إلى ما يقرب من مليار ريال، وقد واجهت هذه السوق طفرات سعرية خلال السنوات العشر الماضية ومشكلات كثيرة أدت إلى توقف عدد من الدول عن السماح باستقدام العمال لهذا القطاع، وتفاوتت الأسباب فهناك من كان يقول إن المشكلة كانت تصب في عدم وجود تنظيم واضح لخدم المنازل، مع أن نظام العمل الصادر عام 1426هـ، أقر بأن على وزارة العمل إعداد هذه اللائحة، إلا أن ذلك لم يحدث سابقا، ما أدى إلى وجود فراغ تنظيمي أدى إلى تصعيد إعلامي للمشكلات. البعض كان يعتقد أن هناك سوق سوداء للعمالة المنزلية نشطت بين الدول التي يتم الاستقدام منها إلى المملكة، وهو تلاعب وصل إلى تعطيل السوق النظامية ورفع الأسعار الاحتكارية في السوداء، ومرة أخرى يظهر عدم وجود جهة نظامية يوكل إليها الأمر كأحد أهم الأسباب. وقد ظهرت لجنة الاستقدام في الغرف التجارية كلاعب وسيط بدلا عن الجهة النظامية، ولكن نظرا لوجود تعارض واضح في المصالح فقد افتقدت هذه اللجنة المصداقية مع تفاقم المشكلات وانتهت بتقديم استقالتها قبل مدة وجيزة، مع مطالب واسعة بالتحقيق مع أعضاء اللجنة.

عادت وزارة العمل اليوم بدراسة لتكاليف استقدام العمالة المنزلية، وحددت سقفا أعلى لتكاليف استقدام العمالة المنزلية من دول بنجلادش والنيجر بما لا يتجاوز سبعة آلاف ريال سعودي. ووجهت الوزارة جميع شركات ومكاتب الاستقدام للعمل بموجب هذه التكاليف والالتزام بها، كما تم إقرار قيمة جديدة للغرامات المالية في حالة تأخر وصول العامل أو العامل البديل عن 60 يوما لتصبح 100 ريال عن كل يوم تأخير، وبحد أقصى لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال. كما ألزمت الوزارة شركات الاستقدام بتوفير عمالة منزلية داخل المملكة، وذلك بنسبة لا تقل عن 20 في المائة سنويا، كما تعمل على الاتفاق مع دول الإرسال لإلزام مكاتبها هناك بتوفير ما لا يقل عن 25 في المائة عمالة منزلية نسائية من إجمالي العمالة التي تقوم بإرسالها إلى المملكة العربية السعودية. كل هذا مع حزمة واسعة من الإجراءات لفتح مكاتب وشركات استقدام جديدة لتعزيز السوق بمكاتب متخصصة أكثر. هذا كله جيد وسيخفف الضغط على هذه السوق ولكن لم نقدم إجابة مقنعة عن الأسئلة التي تدور الآن ولماذا لم تقم الوزارة بتنظيم هذه السوق من قبل؟ وما الذي يضمن تنفيذ هذه القرارات الجديدة بطريقة صحيحة؟

في الواقع فإن الأهم لم يحدث بعد، وهو تكليف جهة مستقلة تشرف على هذه السوق بالذات، وذلك للأسباب التالية: (1) إن هذه السوق حساسة جدا لأنها تمس قضايا إنسانية يمكن توظيفها إعلاميا بطريقة خاطئة ومضللة وتحتاج إلى جهة متفرغة لهذا الشأن. (2) إن هذه السوق تمس حياة الأسرة السعودية بشكل مباشر وتتعرض الأسر إلى كثير من المضايقات وتحتاج إلى عناية خاصة. (3) إن وزارة العمل منشغلة بما هو أهم وأكثر تعقيدا من هذه المسألة التي يمكن السيطرة عليها بإنشاء هيئة خاصة تابعة لوزارة العمل. (4) إن إنشاء مثل هذه الهيئة للنظر في مظالم جميع الأفراد سيعزز من مكانة المملكة في حقوق الإنسان ويحفظ لجميع الأطراف حقوقهم الإنسانية المشروعة.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 2-6-2015