د. أحمد الجميعـة - جريدة الرياض

عدد القراءات: 1353

الشعوب المتحضّرة فكراً وممارسة هي من تأخذ بالإنسان إلى حيث يرغب أن يُعطي بشغف، وعزم، وقدرة، ورؤية، وتتركه في كل خطواته وتجاربه منتجاً مميزاً كما أراد أن تكون رسالته في الحياة؛ حين تمضي به السنين خادماً لوطنه، ومجتمعه، وتخصصه، ويحصد قبل أن يتذكر كيف يكون العطاء مثمراً مخلصاً.

العمل التطوعي واحد من أهم وجوه العمل الحضاري الواعي المسؤول، وأكثرها قبولاً للذات، وتحليقاً بالنفس، وسمواً عن واقع المصالح الرخيصة الانتهازية أو التصالح على أساس الرضا بالخمول وعدم القدرة على التغيير، فالعمل التطوعي الذي ترك في كثيرٍ منّا قيمة ورسالة وهدفاً لا يزال بحاجة إلى مبادرات رسمية تدعمه، وتنقله من الاجتهادات الخاصة إلى العمل المؤسسي القائم على التنظيم والإشراف والمراقبة والتوجيه، وهي مفاهيم ابتدائية لأي عمل نرغب أن يستمر ولا يتوقف مهما كانت التحديات، أو المنغصات أحياناً.

لقد نجح كثير من شبابنا من الجنسين في العمل التطوعي في مواقع متعددة، وأثبتوا أنهم على قدر المسؤولية، وتركوا بصمة حضور إنساني تعكس قيم مجتمعهم، والشواهد على ذلك كثيرة، وكان آخرها موسم الحج، حيث كان العطاء مختلفاً في وجوه عمل صحية، وإدارية، وتنظيمية، ومعيشية، وخيرية، ونجحوا أن يقدّموا وجهاً مشرقاً لوطن سيبقى خادماً لضيوف الرحمن، ونقيس على ذلك حضورهم في مهرجانات وطنية، وحوادث إنسانية، ومبادرات مجتمعية، وهو ما ترك في الشباب فرصة العمل، وتكوين العلاقات، وبناء الذات، والتعبير عنها، وتوثيقها، والفخر بها، ونقلها وتناقلها في مواقع التواصل الاجتماعي، حين يكون الحضور كثيفاً أمام الرأي العام الذي يقيّم المشاركة، والتعليق عليها، وبالتالي مزيداً من الدافعية والعطاء مستقبلاً.

أعود إلى حاجة العمل التطوعي في مجتمعنا إلى مبادرات رسمية تضمن المشاركة الدائمة لدى الشباب وليس المنقطعة، وتمنحهم فرصة المشاركة، والخبرة، ومزيداً من الثقة، وهي تحديداً في سن أنظمة ولوائح تحت مظلة وزارية (وزارة الداخلية أو وزارة الشؤون الاجتماعية مثلاً)، بحيث يتم منح بطاقة متطوع لكل من يرغب العمل، وتنطبق عليه شروط التخصص، ولديه حصيلة جيدة من المهارات، والدورات التدريبية أو المشاركات السابقة، ثم يُمنح نظير جهوده التي تحسب على شكل نقاط، أو تقييم امتيازات خاصة عن غيره، مثل تخفيض في الرسوم، أو أولوية في التوظيف، أو القبول الجامعي، أو حتى الابتعاث، إلى جانب مساهمة القطاع الخاص بمنح مزايا خصومات بنسبة معينة لكل من يحمل بطاقة متطوع.

أعتقد أن مثل هذه الحوافز جديرة بالدراسة، والتقييم، مثل ما هو العمل التطوعي جدير بأن يبقى ويستمر في أي مناسبة مجتمعية، أو حدث يتطلب المشاركة من الجميع؛ لأن التطوع في مفهومه الحديث بحاجة إلى حوافز، وهو ما أدركته كثير من الدول حين بدأت تمنح كثير من المتطوعين لديها مزايا خفض الضرائب والرسوم، وبالتالي استمر العمل، وتطور، وزادت القابلية عليه، وأكثر من ذلك تنامت الخبرات الفردية التي شكّلت فيما بعد خبرات مؤسسية متقدمة، كذلك تحقق الفرز المبكر للقدرات، والتوجهات، ومستوى المهارات، ونقاط القوة والضعف، وبالتالي أصبح الفرد حاضراً بكفاءته وليس فقط رغبته، وهذا أيضاً ثمرة الحافز في العمل التطوعي.

من المهم أن نبادر في هذه الخطوة؛ لأن شبابنا من الجنسين لديه الاستعداد للعمل، وقابلية المشاركة، والإحساس بقيمة المسؤولية، وتنقصه الفرصة، والحافز، وأعتقد أن التطوع يمنح الفرصة، ولكن يبقى الحافز مسؤولية الحكومة أولاً ومشاركة القطاع الخاص ثانياً، وهنا يجب أن يكون لنا موقف، وقرار يحتوي الشباب، حيث لم تعد الخيارات كثيرة أمامهم، لا سيما من ينتظر منهم وظيفته أكثر ممن يسعى في الحصول عليها.

المصدر : جريدة الرياض - 5-10-2015