كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1591

لم يتراجع دور المملكة في قائمة البلدان المانحة، في أي مرحلة من المراحل، بل على العكس تماما، يشهد نموا بوتيرة لافتة، من خلال مساعدات تقدم بأشكال مختلفة، تستهدف بالدرجة الأولى المستفيدين منها حول العالم. والسعودية في أربعة عقود قدمت ما يزيد على 115 مليار دولار مساعدات إنسانية فقط في 90 بلدا، وهذه الأموال لا تشمل المساعدات الأخرى، التي تقدم بصيغ مختلفة، بما في ذلك تلك التي تختص بالتنمية. وهذه المساعدات تصل إلى ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار سنويا. وحتى في ظل بعض الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم، وتأثرت بها المملكة، بقيت المساعدات التي تقدمها بمنأى عن أي تأثيرات سلبية للأزمات الاقتصادية. فكانت المساعدات تصل إلى محتاجيها في الوقت المناسب والصيغة المناسبة أيضا.

وتدخل المساعدات الإنسانية السعودية ضمن نظام مؤسساتي منذ سنوات طويلة، وأخذت الحكومة في المرحلة السابقة، بتطوير الآليات في هذا المجال الحيوي الإنساني العالمي المهم. ويتصدر مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية، قائمة هذه المؤسسات “رغم حداثة تأسيسه”، ليس فقط من حيث قيمة المساعدات والمعونات التي تمر من خلاله، بل أيضا الأساليب المتطورة، التي يتبعها في هذا المجال. ولعل أهم معيار لهذا المركز أنه يقدم مساعداته لمن يحتاج إليها حول العالم بصرف النظر عن أي اعتبارات. والوصول إلى هؤلاء المحتاجين في الوقت المناسب، ومنح مزيد من القيمة المضافة للمساعدات، من خلال التوظيف المتطور واستخدام أدوات مناسبة في عمليات التنفيذ. ولأن حجم الأموال السعودية التي تذهب للمساعدات الإنسانية كبير قياسا بغيرها من البلدان، كان لا بد من التأطير المتقدم في العمل الإنساني.

ورغم أنه لم يمر سوى أشهر قليلة على تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية، إلا أنه قام بسلسلة من العمليات الإغاثية أثبتت محورية وجوده على الساحة، فضلا عن أهمية دوره بشكل عام، فيما يرتبط بالمساعدات والإغاثة على المدى البعيد. وتضيف صفة المركز الدولية مزيدا من المسؤوليات عليه، من جهة العلاقات مع المراكز والهيئات والجهات المشابهة حول العالم، ومن ناحية طرح الأفكار الجديدة على صعيد المساعدات والإغاثة، خصوصا مع تردي الأوضاع الأمنية ليس في منطقة أو منطقتين في هذا العالم، بل في عدد متصاعد من مناطقه، بما فيها بالطبع المنطقة العربية، التي تشهد مرحلة لم يسبق لها مزيد من الاضطرابات والفوضى والمآسي الإنسانية.

وقد أثبت مركز الملك سلمان أهميته على ساحة الإغاثة في مواجهة المتطلبات الإنسانية للأزمة اليمنية، حيث تقود المملكة الأزمة على جبهتين عسكرية وإنسانية. وهذا نادرا ما يحدث في التاريخ. ومما لا شك فيه أن المهمات الأخرى التي تنتظره، ستسهم أيضا في تطوير مستمر لمفاهيم العمل الإغاثي في وقت الأزمات. كل هذا ما كان ليتم، لولا الأموال الهائلة التي ترصدها المملكة لمواجهة مخلفات الأزمات والكوارث البشرية والطبيعية التي تستهدف هذا البلد أو ذاك، أو هذه المنطقة أو تلك، في وقت تشهد فيه المساعدات الإنسانية من بلدان مانحة تراجعا ملحوظا، لأسباب مختلفة، ولا سيما الاقتصادية منها.

إن استدامة المساعدات الإنسانية السعودية في حد ذاتها استراتيجية تخضع للتطوير المستمر، وفق الأفكار الجديدة والتجارب المكتسبة على الأرض. ستكون هناك محطات على هذا الصعيد في المستقبل القريب، ستؤكد مرة أخرى أن ما تقدمه المملكة على الصعيد الإنساني، ليس قابلا للتراجع، انطلاقا من إلزام السعودية نفسها بهذه المسؤولية والغايات الإنسانية السامية.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 11-10-2015