رؤية حقوقية .. في جهود تفعيل المجالس البلدية
طلال بن حسن قستي - جريدة البلاد
تعتبر حقوق الإنسان أهم أسس الحياة .. ومنبع العدالة ومبعث السلام , ولنا في قوله سبحانه وتعالى أساس واضح لحقوق الإنسان منذ بد الخليقة .. حيث يقول سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء، لذلك نقول إن من خصائص حقوق الإنسان أن يعيش جميع الناس بكرامة ويحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن وبمستوى معيشي لائق.
ولأن أعمال ومهام البلديات في الحياة المعاصرة .. تدخل في تصنيف الحقوق البيئية والثقافية والتنموية .. فقد أولت حكومتنا الرشيدة هذا الجانب كامل الاهتمام .. وما اقدامها على إجراء انتخابات للمجالس البلدية منذ انطلاقها قبل عدة سنوات إلا تعبيراً عن قناعتها بحرية اختيار المواطنين لمن يمثلهم في المجالس البلدية التي تراقب اعمال البلديات وتقدم لها النصح والإرشاد والعون لتحسين خدماتها فمن هنا كان للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان دور واضح ومنفرد لمراقبة الانتخابات في الدورتين السابقتين والدورة الأخيرة التي تمت في بداية شهر ربيع الأول الماضي .. وكان لها ما كان من نتائج إيجابية ستساعد بإذن الله على ترسيخ نهج ديمقراطي يسهم في تنمية بلدية صحيحة وشاملة، فكيف تحقق لها هذا النجاح؟ وما الذي يجب عمله لزيادة فعالية هذه المجالس؟
بداية أجمعت الكثير من وسائل الإعلام المحلي والدولي على التطور الإيجابي وغير المسبوق الذي تم في الانتخابات البلدية في دورتها الثالثة التي جرت مؤخراً في المملكة.. وأسفرت عن انتخاب ثلثي أعضاء المجالس البلدية البالغ عددها (284) مجلسا .. وذلك بفوز (2106) ألفان ومائة وستة عضو من جملة أعضاء المجالس والذي سيكون عددهم بتعين الثلث الأخير (3159) ثلاثة آلاف ومائة وتسعة وخمسون عضواً، ولأول مرة تركز وتشارك وسائل إعلام دولية في تغطية هذه الانتخابات وكانت المفاجئة الجميلة التي شدت انتباه الجميع هي دخول المرأة كناخبة ومرشحة وانتهى بها الأمر للفوز بحوالي (18) مقعداً في مختلف المدن والمحافظات .. والحق يقال أن تنافس ما يقارب الألف (1000) امرأة في مواجهة ما يزيد على خمسة آلاف رجل في الترشح للانتخابات البلدية قد أذهل تلك الوسائل الإعلامية الدولية .. ودفعها للقول أن المرشحات يضعن تاريخاً جديداً للمرأة السعودية يمكنها بقوة للمشاركة بفعالية أكبر في خدمة المجتمع السعودي .. هذه حقيقة ثابتة .. وبصمة واضحة في تحول الوعي الوطني في تأكيد حقوق المرأة .. المشروعة والمكتسبة وهي تمثل نصف المجتمع..
فبعيداً عن التنظير الاستقرائي المعهود لدور وعمل المرأة السعودية المسلمة .. تؤكد النتائج أن المرأة السعودية ماضية في طريقها السليم لإثبات فعاليتها داخل المنزل.. وفي إطار المجتمع المدني.
إن مشاركة المرأة في المجالس البلدية وبالصورة التي تتناسب مع تقاليدنا وتعاليمنا الإسلامية سيعطيها الحق في اتخاذ القرارات التي تخدم مطالب المجتمعات المحلية.. كما سيساعدها على الاندماج والمشاركة الكاملة باعتبارها عضو فاعلة في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والتنمية المستدامة للبيئة.. وبالتالي تقديم صورة أكثر وضوحاً لدورها.. وقدرتها على تأكيد حقوقها.. وحمايتها من أي تمييز أو انتهاك.. أو تهميش بسبب جنسها فمن هذه البداية .. تثبت الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله.. إن المرأة السعودية المسلمة العاملة ليست فقط (معلمة , ممرضة , طبيبة , مهندسة , ومحامية , وإعلامية , ومحاسبة , أمينة صندوق , إدارية .. بدرجات متفاوتة , أستاذة جامعية , وسيدة أعمال , عضو مجلس شورى , شرطية في إدارة الجوازات والسجون وبعض الأقسام الأمنية ) وغيرها مما قد فاتني ذكرها وإنما هي أيضاً اليوم عضو في المجلس البلدي ففي الدورة الثالثة حققت بعض التقدم وتوقعاتنا في الدورات القادمة تحقيق نتائج أفضل..
هذا من حيث النتائج .. ولكن من حيث العمل في هذه المجالس .. لابد أن نشيد بالتعديلات التي أدخلت على نظامها الجديد.. فرغم الصلاحيات التي أعطيت لها إلا لنا بعض الملاحظات التي نرجو من وزارة الشؤون البلدية والقروية وبقيادة وزيرها المثقف المهندس عبد اللطيف آل الشيخ أن تؤخذ في الاعتبار حتى تزداد فعالية أعمال المجالس البلدية ..
أولاً: لا زال النظام ووفق لائحته المعتمدة لم يحدد صيغة واضحة لإطار العلاقة بين المجالس البلدية في (16) أمانة من أمانات المملكة .. فكل بنود اختصاصات المجالس البلدية وفقاً للنظام الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/61 وتاريخ 04/10/1435هـ لم تذكر بالاسم كلمة ((أمانة)) فكيف يمكن للمجلس البلدي في محافظة جدة مثلا أن يمارس مهامه بفاعليه في ضوء غياب النص الواضح للعلاقة بينهما ونحن نعرف أن في محافظة جدة (14) بلدية تتبع الأمانة .. (أوضحت هذا الرأي في مقالي المنشور بجريدة المدينة بتاريخ 26/12/2014م) فهل بإمكان المجلس البلدي أداء مهامه مع كل تلك البلديات مباشرة .. أم من خلال ((الأمانة)) ؟! إنها إشكالية قد تصيب أعضاء المجالس البلدية في (16) أمانة من أمانات مدننا الكبرى بالحيرة .. أو فلنقل صراحة قد يحد من طموحاتهم .. رغم أنهم يرتبطون مباشرة بمعالي الوزير.
ثانياً: البلديات المستقلة في بقية محافظات المملكة والبالغ عددها (268) بلدية وتتدرج مستوياتها من فئة (أ) إلى د.هـ تعتبر في نظري الأقدر في التعامل مع اختصاصات المجالس البلدية .. ومن تاريخ مسيرة أعمال المجالس البلدية في تلك المحافظات سنجد أنها كانت أكثر فعالية وأنشط أعمالاً من المجالس البلدية التي تتعامل مع الأمانات.
ثالثاً: من خلال قراءة متأنية لنص اختصاصات المجالس البلدية وفقاً لنظام المجالس البلدية وتفاصيله هي:
1- يتولى المجلس – في حدود اختصاص البلدية – إقرار الخطط والبرامج البلدية الآتية:
أ- تنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية .
ب- تنفيذ مشروعات التشغيل والصيانة .
ج- تنفيذ المشروعات التطويرية والاستثمارية.
د- برامج الخدمات البلدية ومشروعاتها.
2- يقر المجلس مشروع ميزانية البلدية وفقاً للإجراءات النظامية وما تحدده اللائحة.
3- يقر المجلس الحساب الختامي للبلدية بعد دراسته وفق الإجراءات التي تحددها اللائحة.
4- يدرس المجلس الموضوعات الآتية، ويبدي رأيه في شأنها قبل رفعها إلى الجهات المختصة.
أ- مشروعات المخططات الهيكلية، والتنظيمية، والسكنية.
ب- نطاق الخدمات البلدية.
ج- مشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة.
د- ضم بلديتين أو أكثر، أو فصل بلدية أو بلديتين أو أكثر.
هـ- الرسوم والغرامات البلدية.
و- شروط وضوابط البناء , ونظم استخدام الأراضي.
ز- الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة.
ح- إنشاء البلديات الفرعية ومكاتب الخدمات.
ط- ما يوجه الوزير بعرضه على المجلس.
5- يمارس المجلس سلطاته الرقابية على أداء البلدية، وعلى ما تقدمه من خدمات من خلال الوسائل الآتية:-
أ -التقارير الدورية التي تقدمها البلدية عن أعمالها.
ب -تقارير سير المشروعات التي تنفذ.
ج -تقارير تحصيل الإيرادات البلدية.
د -تقارير الاستثمارات البلدية.
هـ -ما يرد إلى المجلس من ملحوظات أو شكاوى في شأن أي من الخدمات البلدية.
و -تقارير الزيارات التي تقوم بها اللجان المتخصصة التي يشكلها المجلس – بناء على ما يقرره أو بناء على طلب أحد أعضائه – للاطلاع على المشروعات البلدية.
ز -مراجعة إجراءات تقسيم الأراضي وإجراءات منح الأراضي السكنية للتأكد من سلامة الإجراءات.
6- يتولى المجلس في حدود اختصاص البلدية ما يأتي:-
أ- اقتراح الخطط والبرامج، وتحديد أولوياتها.
ب- ما يسنده الوزير إلى المجلس من اختصاصات.
ج- إبداء الرأي في مشروعات الأنظمة واللوائح الجديدة ومشروعات التعديلات المقترحة على الأنظمة واللوائح السارية – المتعلقة بالخدمات البلدية – قبل رفعها إلى الجهات المختصة.
د- إبداء الرأي في المعاملات والقضايا التي تستطلع البلدية رأيه فيها.
7- للمجلس الحق في الحصول من البلدية وأي جهة أخرى على أي معلومة تتعلق باختصاصه.
8- يدرس المجلس شكاوي المواطنين واحتياجاتهم واقتراحاتهم، ويتخذ في شأنها القرار اللازم في حدود اختصاصه واعياً في ذلك الاعتمادات المالية، وإمكانات البلدية، وأولويات التنفيذ.
9- للمجالس الاستعانة بمن يراه من الخبراء والمختصين من البلدية أو من خارجها، وتحدد اللائحة شروط الاستعانة بهم وإجراءاتها.
10- ينظم المجلس لقاءات دورية بالمواطنين، ويسهل التواصل معهم وتلقي شكواهم واقتراحاتهم حيال الخدمات البلدية في حدود اختصاصه.
11- للمجلس تكوين لجان دائمة أو مؤقتة من بعض أعضائه، لتولي مهمات محددة، أو دراسة موضوع معين، وعرض ما تنتهي إليه على المجلس لاتخاذ القرار اللازم.
12- يعد المجلس تقريراً سنوياً عن أعماله وفق ما تحدده اللائحة، ويرفعه إلى الوزير.
وعليه فيلاحظ أن نظام المجالس المذكور بعالية أعطى صلاحيات واسعة ونقله نوعيه لطبيعة أعمال ومهام المجالس البلدية .. إلا أننا نقترح التوسع قليلاً في البند السادس فقرة (أ) فنقول لابد من تحديد الأشياء بمسمياتها ليدركها الجميع .. ويستشعرها المواطن الذي يعي حقوقه لدى المجلس البلدي الذي انتخب ثلثي أعضائه ويطالبه بالعمل. ففي هذا البند اقترح إضافة مهام محددة وواضحة كالتالي:
1- اقتراح تجميل وتحسين الطرق والشوارع والأماكن العامة من حدائق وشواطئ ومنتزهات وأماكن الترفيه.
2- العمل على حماية البيئة من التلوث.
3- اقتراح الأنظمة التي تنظم الإعلانات الدعائية في الطرق والشوارع داخل المدن وخارجها.
4- متابعة مشاريع الصرف الصحي والمياه .. والإنارة .. والسفلتة ورصف الطرق.
5- متابعة ومراقبة أوضاع مدافن النفايات .. والمسالخ وأسواق البيع بالجملة كحلقة الخضار والفواكه وحلقة بيع الأغنام.
6- المشاركة في دراسة الجوانب الاجتماعية التي لها صورا سلبية تضر بالبيئة .. أو تشوه المشاريع البلدية التي تنفذها الحكومة لخدمة ورفاهية المواطنين والمقيمين…
7- المساهمة في بث الوعي .. ونشر ثقافة مؤثرة تؤكد على دور المواطن الصالح في الحفاظ على البيئة والمرافق العامة والتأكيد من خلال الوسائل المختلفة على أن الحقوق البيئية والثقافية والتنموية .. يجب أن تصان من العبث أو التدمير والتشويه .. فكل شخص له حقوقه الإنسانية .. كما عليه أن يعي أن عليه حقوقاً نحو الآخرين .. ولابد من الالتزام بها تماماً كما حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف.
رابعاً: ورد في المادة (12) إن المجلس البلدي يعد تقريراً سنوياً عن أعماله ويرفعه إلى الوزير .. وفي هذا الإجراء تتخذ العملية طابعها الروتيني كبقية الجهات الحكومية ولتفعيل دور المجلس نقترح أن يرفع تقاريره كل ثلاثة شهور أو على الأقل كل ستة أشهر .. فالمهام والاختصاصات ذات طابع حيوي .. ولابد أن تحظى التقارير التي تعدها المجالس البلدية بقدر كبير من الاهتمام والمتابعة .. وكذلك فيما يتعلق باجتماعات المجالس البلدية فمرة كل شهر فترة بعيدة لاجتماع أعضاء مجلس بلدي لديه مهام حيوية ومسؤوليات كبيرة ومتنوعة .. فيا حبذا لو أعيد النظر فيها وفي كل ما تقدم وبالله التوفيق.
المصدر : جريدة البلاد - 27-01-2016