صالح بكر الطيار - صحيفة المدينة

عدد القراءات: 1146

تقاس حضارات الأمم وتطور المجتمعات بمدى مواكبة العنصر البشري في المنظومة الاجتماعية للأنظمة والقوانين.. وفي علم النفس الاجتماعي تقوم القيم والاتجاهات والميول على مدى تقيُّد الإنسان بأنظمة المجتمع وقواعده، بصفته الكائن المُكرَّم بالعقل، والمُتوَّج بالتفكير، وبه تنهض البشرية.
لدينا في المجتمع العديد من الظواهر المختلفة التي بدأت من أخطاء وسلبيات كانت من صنع البشر، وتوسَّعت مساحات الخطأ لتتحوّل هذه الأخطاء من فردية إلى جماعية، وبالتالي باتت ظاهرة مُؤرِّقة تُعقد لها الاجتماعات، وتورد بشأنها التوصيات، ولو عُدنا إلى عُمق المشكلة، لوجدنا أن اختراق الأنظمة وعدم التقيُّد بها كان الأساس الأول لنشوء هذه الظواهر، والتي تنعكس بعد ذلك على تنمية الإنسان، والتي تؤدي إلى حدوث شرخ في علاقات المجتمع بمختلف شرائحه، وإلى حدوث فجوة في التنمية الإنسانية والمجتمعية والمستقبلية، بين الإنسان والنظام، لتظهر لنا ظواهر جديدة، وأخرى في علم الغيب مستقبلا.
يساهم التعليم كثيرًا في دعم الأنظمة، وتسهم التربية في تشكيل منظومة التقيد بالنظام أيضا، إضافة إلى المكتسبات الاجتماعية المُتعلِّقة بالتوعية، ونشر روح النظام في المجتمع، إضافةً إلى أهمية سن قوانين العقاب في تطوير مفهوم النظام في كل جوانبه، لتتشكَّل في النهاية دورة متكاملة بين الإنسان والنظام، وبين النظام ودورة الحياة، والأهداف الإيجابية المختلفة التي تساهم في رقي المجتمعات، وفي القضاء على الظواهر السلبية، لذا فالتغذية تظل راجعة من وإلى المجتمع، والدليل أن المجتمعات الخالية من الأخطاء هي الأكثر تقيدًا بالأنظمة والعكس صحيح.
عندما نجد نظامًا توعويًا كبيرًا يُؤكِّد أهمية الحفاظ على نظافة المدن، في وقت نجد أصحاب السيارات لا يُبالون بالنظام عندما نجد ارتفاع نسبة الحوادث المرورية تحصد الآلاف سنويًا، وعندما نرى عددا من الأشخاص يتلاعبون بنِعَم الله من باب الهياط، وعندما ترتفع لدينا نِسَب المخالفات البلدية في المطاعم، وعندما ترتفع لدينا ظاهرة العنف الأسري ونسب الطلاق ومعدلات القضايا في المجتمع، وعندما نلمس ارتفاع معدلات الفساد أو التعديات على الأراضي الحكومية، أو نسبة المخالفات في القطاع الحكومي وغيرها من المخالفات، فإننا أمام أزمة عدم التقيُّد بالأنظمة من جهة، إضافةً إلى عدم تفعيل بعض الأنظمة الموجودة التي تحتاج إلى توظيف فعلي من جهةٍ أخرى؛ كي يتم من خلالها مواجهة هذه الظواهر التي تظل في ازدياد متى ما ظلت بعض هذه الأنظمة جامدة، أو كانت غير موجودة في بعض الجزئيات، فأرى أنه لا بد من تكاتف وتفاعل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وأيضا المجتمع بأسره، كي تكتمل منظومة تنمية الإنسان في هذا الإطار، حتى نصل إلى مستويات متطورة من التعامل مع الأنظمة، والتقيُّد بها، لأن ذلك في النهاية سيُخفِّض ويلغي العديد من المخالفات والأخطاء التي تُكبِّد الدولة الخسائر، وتنعكس بالسلب على المجتمع، وعلى الأجيال القادمة.

المصدر : صحيفة المدينة - 14-2-2016