سعود بن هاشم جليدان - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1273

 

تصدر جامعة ييل ـــ منذ عدة سنوات ـــ بالتعاون مع عدد من المؤسسات البحثية الأخرى والمنتدى الاقتصادي العالمي نشرة تتضمن مؤشرا للأداء البيئي لدول العالم. ويرتب هذا المؤشر دول العالم في قطاع حماية الصحة البشرية من آثار التلوث وفي قطاع حماية النظم البيئية. ويقيس المؤشر العام أداء الدول في تسعة مجالات بيئية تستخدم 20 معيارا فرعيا. ويحاول مؤشر الأداء البيئي قياس مدى قرب أداء الدول من المعايير العالمية الآمنة أو الموصى بها في المعايير الفرعية. وفي حالة عدم وجود معايير معينة يحاول مقارنة أداء الدول ببعضها البعض. ويسعى المؤشر إلى إيضاح نقاط الضعف والقوة لدى الدول من الناحية البيئية ودفعها إلى تحسين أدائها مقارنة بالدول الأخرى، خصوصا الدول المجاورة أو المشابهة.

احتلت فنلندا في آخر إصدار لنشرة مؤشر الأداء البيئي صدارة دول العالم تلتها أيسلندا والسويد والدنمارك. وقفت فنلندا ــــ وباقي الدول المتصدرة للمؤشر ـــ على رأس الدول من الناحية البيئية بسبب جهودها وسياساتها البيئية التي نجحت في تنظيف ورفع جودة المياه والهواء والحفاظ على أصولها البيئية. ولم تكتفِ فنلندا مثلا بما حققته في مجالات البيئة بل إنها ألزمت نفسها بعديد من الالتزامات البيئية القوية، التي أبرزها وصول مجتمعها في عام 2050 إلى التعادل أو الحياد الكربوني، أي أن إجمالي انبعاثات الكربون في البلاد ناقصا امتصاصاته فيها سيكون قريبا من الصفر. وفي سبيل ذلك قيدت نفسها بتوليد 38 في المائة من الطاقة المستهلكة من مصادر الطاقة المتجددة بحد أقصاه 2020. ويلاحظ أن قائمة الدول العشرين الأفضل في هذا المؤشر تتشكل من دول غنية ترتفع فيها معدلات الناتج المحلي للفرد، ومؤشرات التنمية البشرية، ومعدلات الأعمار المتوقعة عند الولادة. ومعظم هذه الدول صغيرة سكانيا ما عدا ثلاث دول متوسطة الحجم هي بريطانيا وأستراليا وفرنسا. وفي المقابل احتلت الصومال وإريتريا وعدد من الدول الإفريقية وأفغانستان ذيل قائمة الـ 180 دولة المصنفة. وهذا يرجع إلى الفوضى أو ندرة الإمكانات في الرعاية الصحية وحماية البيئة في هذه الدول الفقيرة.

إضافة إلى ذلك حاولت النشرة تغطية أهم التطورات البيئية على مستوى العالم، حيث أشارت إلى أن هناك زيادة في الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء “10 في المائة من إجمال الوفيات العالمية” مقارنة بعدد الوفيات الناتجة عن تلوث المياه “2 في المائة”. وهذا يدل على أن التنمية الاقتصادية تحسن بعض المؤشرات البيئية لكنها تفاقم من مؤشرات بيئية أخرى. ووجدت النشرة أن نصف سكان العالم أو ما يقارب 3.5 مليار إنسان يعيشون في بيئة هواء غير آمنة، من ناحية أخرى تراجع عدد السكان الذين لا يحصلون على مياه غير صالحة للشرب بمقدار النصف منذ بداية الألفية. ومن الأمور المشجعة عالميا نجاح دول العالم في زيادة الكائنات البرية والبحرية المحمية، وفي المقابل استمرت خسارة مزيد من الأراضي المغطاة بالأشجار على مستوى العالم. وحثت النشرة دول العالم على زيادة معالجة مياه الصرف الصحي، حيث يتم إطلاق 80 في المائة من مياه المجاري إلى البيئة دون معالجة، ما يتسبب في آثار كارثية على البيئة. وتذكر النشرة أن هناك زيادة في عدد الدول التي تخفض كثافة الكربون في الهواء إلى نحو ثلث دول العالم، لكن هناك ترديا في كفاءة استخدام النيتروجين، ما يتسبب في مزيد من الانبعاثات الضارة لمركبات النيتروجين.

جاءت المملكة حسب مؤشر الأداء البيئي العام في المرتبة 95 عالميا، وحلت في مراتب أقل في مجالات الآثار الصحية، ونوعية الهواء، والزراعة والحفاظ على الثروة السمكية. وسجلت المملكة مراتب أفضل من مؤشرها العام في معايير موارد المياه والمياه الصحية ومياه الصرف الصحي والحفاظ على التنوع البيئي. وحلت دول مجلس التعاون في مراكز قريبة من مركز المملكة عالميا، حيث احتلت البحرين ـــ الأفضل خليجيا ـــ المركز 86، بينما احتلت عمان ـــ الأسوأ خليجيا ــــ المركز 126 بين دول العالم. وقد يسهم نقص المعلومات البيئية أو أخطاء قياسها في تسجيل المملكة ودول مجلس التعاون مراكز متأخرة في مؤشر الأداء البيئي، لكن توفير مزيد من المعلومات وتصحيحها لن يغير كثيرا في ترتيب دول المجلس وستظل في مراكز متأخرة بيئيا. وبناء على هذا المؤشر فإن المملكة ـــ ودول المجلس بشكل عام ـــ في حاجة ماسة إلى التركيز بدرجة أكبر على النواحي البيئية وتكثيف الجهود للتصدي للتلوث وتحسين مؤشراتها البيئية. وتتضمن “رؤية المملكة لعام 2030” زيادة العمر المتوقع إلى 80 عاما، ويصعب تحقيق هذا الهدف دون البدء مبكرا في تحسين المؤشرات البيئية، نظرا للتعقيدات المتصلة بملوثات الهواء والماء والبيئة بشكل عام وبطء الطبيعة في خفض الملوثات الضارة. وسيسهم تحسين الأوضاع البيئية في رفع رفاهية المجتمع من خلال خفض تكاليف الرعاية الصحية وتحسين جودة الحياة والحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد. ولهذا فإن التكاليف المرافقة لرفع الجودة البيئية ستنتج عنها منافع للمجتمع تفوق هذه التكاليف.

 

 

المصدر : جريدة الاقتصادية - 5-6-2016