محمد الوعيل - جريدة الرياض

عدد القراءات: 851

في خضم الأحداث والدعوات المتناقضة التي تحفل بها الساحة، والتي يجد فيها كثير من المغرضين فرصة للنيل من تقاليد هذه البلاد، ومن سياساتها المنفتحة، يأتي مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية، الذي تقدم به أعضاء مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفيفي، والدكتورة لطيفة الشعلان، والدكتورة هيا المنيع، وآخرون، ليكون إطاراً تشريعياً لتجريم كل عمل أو سلوك أو فكر أو تصرف، يعكس صورة سلبية، أو يمررها لتكون ذريعة لا تتفق أبداً والأطر العامة التي استقررنا عليها، وتجافي منظومة القيم الاجتماعية التي نشأنا عليها.
المشروع، إضافة لكونه إضافة عصرية تتفق ونهجنا الديني المتسامح والأصيل، إلا أنه كذلك خطوة رائدة تتسق مع متطلبات واقعنا الاجتماعي الحافل بالعديد من التصرفات الخارجة، التي تحتاج من يحد من نزفها العام، وبالتالي يرسخ أكثر نحو مزيد من الدولة المدنية والعصرية الساعية إلى تحقيق محاور الإخاء والمساواة بين جميع مواطنيها، وهو نهج القيادة الحكيمة التي يرسخ لها القائد والرمز، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد، يحفظهم الله.
وبغض النظر عن قوانين التغريم والحبس للمخالفين، وفي مقدمتها عقوبات التعدي على النصوص المقدسة بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي شكل من الأشكال، أو التخريب أو الإتلاف أو التدنيس لدور العبادة، قولا أو فعلا، أو المساس بالذات الإلهية بالطعن أو الانتقاص أو السخرية أو الاستهزاء، والإساءة إلى الأنبياء أو الرسل أو أزواجهم.. كما في المادة التاسعة، تكون المواد المجرّمة لأفعال أو أقوال التمييز بسبب الدين أو الطائفة أو المذهب، أو بسبب الجنس أو العرق أو النسب أو القبيلة، نقلة نوعية مهمة، لمواجهة بعض الإشكاليات الاجتماعية التي لا ننكر أننا لا نزال نعاني منها في انفلات واضح ومسكوت عنه.!
يتسق مع هذا أيضاً العقوبة المشددة (السجن 5 سنوات أو الغرامة ما بين 500 ألف ـ مليون ريال) لكل من يرتب قولاً أو فعلا من شأنه إثارة خطاب الكراهية بإحدى طرق التعبير المعروفة أو غير المعروفة، وكذلك إنتاج أو ترويج أي من المواد الإعلامية المسببة لذلك.
المثير للاهتمام، ان المشروع يحمل ولأول مرة، عقوبات مغلظة (السجن ما لايقل عن 10 سنوات وغرامة من 500 ألف ـ مليوني ريال) ضد أي مخالفات تأتي من موظف أثناء تأدية عمله أو بسبب تأدية عمله، أو وقعت من شخص ذي صفة دينية، أو مكلف بها، أو وقع الفعل في إحدى دور العبادة.. وهذا يعني إعادة الاعتبار لأهمية الوظيفة العامة وعلى رأسها أي مسؤول له صفة دينية.
هذه الأخيرة بالذات، أعتبرها من أخطر المواد التي تُفَعّل مسؤولية رجل الدين وبالذات فيما يحاول المساس بالسلم العام في البلاد.. وخصوصاً ما يتعلق بأية محاولة للتكفير أو التحريض الذي يعرض حياة الآخرين للخطر.
باختصار شديد، نحن أمام مشروع يحمي النسيج الاجتماعي من مخاطر التمييز، بمثل ما يحمي الهوية الدينية والحضارية، في مرحلة نرى فيها محاولات هدم واستغلال غير محدودة..
التحية، كل التحية، لأعضاء الشورى، الدكتور الفيفي، والدكتورة الشعلان، والدكتورة المنيع، وغيرهم من الشخصيات التي تتبنى أفكاراً تدرأ الأخطار عن وطننا، وتحفظ لحمتنا الوطنية ومكاسبنا الوحدوية، من أجل إخاء وطني أولاً قبل أن يكون إنسانياً للجميع، وأتمنى أن يعجل مجلس الشورى بإقرار المشروع من أجل وطن موحد، وشعب واحد، تحت قيادة واعية وملهمة.

المصدر : جريدة الرياض - 20 يوليو 2016م