مازن السديري - جريدة الرياض

عدد القراءات: 633

التوحديون ليسوا بمعاقين ولكنهم مختلفون، يغلب على أغلبهم الذكاء ومنهم من يصل إلى العبقرية ولكنه مختلف فهو غير اجتماعي ويجد صعوبة في التواصل لكنه أثبت في سوق العمل قدرته على تقديم أعمال دقيقة وغالباً في توقيت وتكاليف قياسية إذا تم استدراك حالة التوحد في مقتبل العمر وإلا تحول الى إنسان عبء على أسرته ووطنه.
للأسف المملكة لا تمتلك بنية تحتية حقيقية من حيث رصد التوحديين أو حتى تعليمهم المختلف ولا تهيئة سوق العمل لاستقبالهم لأنها ببساطة لا ترى هذا العالم، بدأ ظهور حالات التوحد منذ منتصف القرن الماضي وكانت اول حالة اكتشافت عام 49 ميلادية من القرن الماضي وكان يصنف المصاب بصاحب احتياجات خاصة او متخلف و للأسف البعض يراهم الى الان كذلك في المملكة ولا تزال اهم المراحل لتفعيل التوحديين مهملة في المملكة وهي بالترتيب التشخيص ثم التأهيل وأخيرا إدراجهم في سوق العمل.
في الولايات المتحدة تم تطوير وسائل تقيم التوحديين وتطوير العينات الإحصائية التي ممكن ان تعكس الصورة العامة للمجتمع حتى اتضح وجود معدل 15 طفلا دون الثامنة لكل الف طفل توحدي بعد ان كان 7 وهو ما يعادل الضعف والسبب يعود لتطور العينات ومستوى التشخيص الذي اصبح اكثر دقة في الرصد مع العلم ان مستوى التشخيص لا يزال تقديريا وقابلا للتطوير وهذه البنية غير متوفرة في المملكة ولا يوجد نسبة واضحة للمصابين ولكن يوجد معدل رصده بعض المراقبين وهو طفل لكل 68 طفلا والكشف يتم بصورة تطوعية ووسائل التقييم قديمة في الغالب بعكس كوريا الجنوبية التقيم إلزامي وعلى الجميع وليس عبر عينات تقريبية مثل التطعيم للأطفال، لان كوريا ترى التوحديين ثروة خصوصا في الهندسة والأرقام وهي بلد صناعي اذا أحسن تأهيلهم او عبئاً اذا تم إهمالهم.
المرحلة الثانية تأتي في تأهيل التوحديين لتطوير قدرات اتصالهم وعدم تركهم في عزلة التوحد حيث مراكز تأهيل التوحديين يختلف بها معدل المعلمين للطلبة حيث يقدر في بريطانيا معلم لكل17 تلميذا اما للتوحديين فالمعدل هو 16 معلما لكل 24 تلميذا، وللاسف المملكة سواء للمرحلة الاولى التشخيص والتأهيل فالوضع محزن، ومراكز التوحد الموجودة بالمملكة تعمل بأعلى من طاقتها بكثير حيث طاقتها لا تتجاوز 20 الف توحدي، والمصابون يقدر عددهم بين 120 و 250 الف مصاب واغلب المراكز أسست بأيادي أفراد وليست مؤسساتية ذات ديمومة، والمختصون يعاملون كإداريين ودخلهم منخفض وتم إلغاء اتفاق تدريبي مع جامعة في الولايات المتحدة بسبب عدم وجود إمكانيات مالية(القصة قبل انهيار البترول).
اخيرا المرحلة الثالثة وهي سوق العمل حيث تختلف مقابلة التوحدي ونوعية الأسئلة المقدمة له مختلفة عن الانسان الطبيعي فهو لا يحب المبالغة وذو ولاء لعمله واذا كانت بيئة العمل مربحة خصوصا اذا كان مكتبه شبه معزول وغير متصل بالعملاء ويكون عمله متعلقا بالارقام والأنظمة، بمعنى تتطلب إنسانا مصبوبا عقله على العمل فقط ولا يحب الحديث عن حياته وإجازاته وغيره ويحقق التوحديون إنجازات ميثالية في سرعة الانتاج والتعلم وغياب الماديات، والبعض يراهم ثروة اذا أحسن اعدادها.
التوحديون ليسو متخلفين أو مرضى ولكنهم مختلفون وممكن ان يكونوا ثروة إنتاجية اذا شخَصوا في سن مبكّرة وهيئ لهم مسار تعليمي ونظم لهم سوق العمل، وممكن في المقابل ان يكونوا عبئا اذا استمر هذا الوضع الذي جعل كثيرا من السعوديين يتركُون وطنهم لعلاج ابنائهم في الخارج والسبب ان المملكة لا ترى التوحديين ثروة وسيجعلهم ذلك عبئاً مع الزمن.

المصدر : جريدة الرياض - 10 أغسطس 2016م