المتقاعدون «ما يدرون من وين يلقونها»
عبد الحميد العمري - جريدة الأقتصادية
ليس أصعب مرارة على المرء من أن يواجه التحديات الجسيمة لحياته، ثم لا يملك أمامها حتى خيارا واحدا، وتزداد تلك التحديات إن أتى طرف آخر متدخلا دون علم أو فهم لأوضاعه المعيشية، ليقدم حلولا عنوانها ومضمونها الإفلاس بعينه! فلا يعلم المرء هنا، هل يجاهد قدره أم يجاهد خصما لا صديقا له، ينوي مضاعفة آلامه وحسرته.
تلك باختصار قصة المتقاعدين بيننا، وآراء بعض أعضاء مجلس الشورى، الذين حتى المجلس بكيانه كاملا تنكر لتلك الآراء، وأنها لا تمثل رأي ووجهة نظر مجلس الشورى، وأنها لا تتعدى تمثيل رأي أولئك الأعضاء المنتسبين إليه.
في الوقت الذي كان ينتظر نحو 1.02 مليون متقاعد (التقاعد، التأمينات)، وفقا لإحصائهم بنهاية 2015، ينتظرون مخارج وحلولا للأوضاع المعيشية غير الجيدة التي يعايشونها هم وأسرهم، التي وفقا لتقرير جمعية المتقاعدين الذي تم استعراضه أمام جميع أعضاء مجلس الشورى قبل أقل من عام مضى، انتهى مآل نحو 70 في المائة من المتقاعدين لتقاضي معاشات تقاعدية لا تزيد على 2000 ريال شهريا، وإلى أن نحو 44 في المائة منهم لا يمتلك مسكنا. أقول أمام كل هذا؛ فوجئ الجميع وليس المتقاعدين فقط بمن يقترح عودتهم وهم في مرحلة المشيب من أعمارهم، للبحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، والعمل من جديد لأجل تحسين ظروفهم المعيشية!
لا يعد مبالغة أبدا القول إن مقترحات كتلك، تتجاوز في صدمتها المفاجئة جميع الحدود، كونها تصدر من أفراد يفترض توافر الأهلية الكافية لديهم للبت في مختلف قضايا الوطن والمجتمع والاقتصاد، وهي صادمة فعلا هنا لأنها “غفلت” تماما عما نص عليه النظام الأساسي للحكم، وتحديدا ما ورد حرفيا في المادة السابعة والعشرين من النظام “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية”، وهو نص واضح وصريح جدا. أعتقد جازما لو أن ذلك العضو أو غيره قرأ مجرد قراءة تلك المادة من النظام فقط، لما تهور أبدا وأطلق تلك المقترحات المفلسة تماما!
وهي أيضا مقترحات صادمة لأنها “قفزت” كثيرا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي نتعامل معه خلال المرحلة الراهنة، الذي يتحمل عبء مئات الآلاف من العاطلين والعاطلات عن العمل من الشباب، ونواجه جميعا صعوبات كأداء في طريق توظيفهم، ومنحهم الفرصة اللازمة للمشاركة في التنمية وتقدم الاقتصاد الوطني، ليأتي من يقترح بتهميشهم وتركهم فريسة للبطالة، ويطالب في الوقت ذاته من أفنوا حياتهم عملا وكدحا في حياتهم قبل الشيب والهرم، ليعودوا للعمل مرة أخرى!
سبق التطرق كثيرا بالكتابة والحديث والنقاش حول هذا الملف التنموي الثقيل الوزن، والمتزايد ثقله عاما بعد عام، دون تقديم الحلول الكافية له بالسرعة اللازمة، وأجده مناسبا هنا التأكيد مرة أخرى على خلاصة تلك الحلول المأمولة في هذا الجانب، التي تبدأ من داخل أروقة مؤسستي التقاعد (التقاعد، التأمينات الاجتماعية)، وهي الحلول الممكنة التنفيذ، ويؤمل من خلالها ضمان استدامة واستقرار أداء مؤسستي التقاعد أولا، وأن تمنحهما بالدرجة الثانية مزيدا من القدرة على تحمل أعباء تحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية، وبما يبعدها عن التورط في حلول وقتية قصيرة الأثر.
أولا: العمل على تغيير وتطوير آليات الاستثمار الراهنة لدى مؤسستي التقاعد والتأمينات، وهو المحور الذي يتطلب جهدا وخبرة أكبر بكثير مما هو متوافر لدى المؤسستين في الوقت الراهن، وكم هو لافت جدا إلى أن تكتشف ضمن المحفظة الاستثمارية للمؤسستين مخزونا هائلا من الأراضي غير المدرة لأية أرباح تعزز من التدفقات النقدية الداخلة (تقدر قيمتها السوقية بأسعار المرحلة الراهنة بأكثر من 1.0 تريليون ريال).
المصدر : جريدة الأقتصادية - 15 أغسطس 2016م