د. عبدالله الحريري - جريدة اليوم

عدد القراءات: 721

اليوم الصحة هي أثمن شيء لأي إنسان وعندما يصاب الانسان بأي وعكة صحية فإن حالته النفسية تسوء ويحتاج الى الدعم والمساندة.
هرم الرعاية الصحية في المملكة فريد من نوعه وهرم الرعاية عندنا مقلوب فالناس لا يثقون كثيرا، الا في المستشفيات المتخصصة أو المرجعية والتي يفترض أن تعالج فقط ما يقرب من عشرة في المائة من الأمراض، واذا طلب منهم أن يذهبوا الى مراكز الرعاية الصحية الأولية يفضلون القطاع الخاص عليها، لأنهم يرون من واقع الممارسة أنها لا تؤدي دورها المتعارف عليه عالميا في أنها الصد الأول للمرض، وأنها قد تغطي ما يزيد على خمسة وثمانين في المائة من الخدمات العلاجية الأولية، الى جانب الدور الرئيسي لها في الوقاية والإصحاح البيئي، وما تقوم به من برامج صحية ابتداء من صحة الفم والأسنان الى رعاية الأمومة والطفولة والتحصينات.. الخ. وعلى ضوء ذلك أصبح الكشف المبكر للأمراض شبه مفقود، مما أدى الى ازدياد خطورة الأمراض وحدتها وإزمانها وأصبحت حياة الفرد مهددة بالموت، بالإضافة الى التكلفة الباهظة التي تتكبدها الدولة نتيجة الصرف على الامراض المزمنة وعلاج الحالات المستعصية والحادة.
وعلى ضوء ذلك أصبح هناك ضغط على المستشفيات المرجعية والتخصصية، وأغلب تلك الحالات المحالة لها تأتي وهي في مرحلة متقدمة من المرض، مما قد تقف أمامه الكثير من التدخلات العلاجية المختلفة وهذا قد يجعل المستشفى والمريض في حيرة من الأمر ما بين الإمكانات والخبرات التراكمية والجوانب الأخلاقية وبين يأس المريض وتمسكه بأي أمل وفي أي مكان وبأي طريقة.
هذا الكلام يجعلنا نتوجه للعلاج بالخارج والذي يمثل الأمل الأخير للكثير من الحالات المتقدمة أو التي تحتاج الى خبرات وإمكانات قد تكون موجودة من حيث التجهيزات، ولكن موضوع الخبرات التراكمية وتنوع المدارس يبقى لصالح الذين في الأصل تعلمنا على يدهم واشترينا منهم كل هذه التجهيزات والعلاجات.. وأتساءل بعد أن تتم الخصخصة بمفهوم البعض الذين تنقصهم الخبرة والتاريخ في النظام الصحي ونظام البلد، كيف سيكون حال الذين يحتاجون للعلاج بالخارج هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المشمولون بالتأمين الصحي التجاري كيف سيغطي التأمين علاجهم في الخارج أو في مستشفيات المستوى الرابع كما تقوم به الدولة الآن… إذا سنعود الى نقطة البداية ونؤكد أن ولاة أمرنا ودولتنا لن تتخلى عن علاج مواطنيها في الخارج ولكن الموضوع يحتاج الى أفكار وطرق جديدة تضمن استمراريته وعدالته، وليس يعني أننا عندما نصرف ما يقرب من أربعمائة مليون ريال سنويا على علاج المواطنين بالخارج، وانه مبلغ مبالغ فيه أو أن هناك سماسرة ومتربحين يجعلنا نقوم ونقفل، أو نحد بشكل غير مدروس العلاج من الخارج. فهناك حاجة لأغلب حالات السرطانات والأمراض التي لا يوجد لها علاج في الداخل سواء لضعف الإمكانات والخبرات التراكمية، ولأننا مازلنا في مرحلة البناء للمراكز الطبية المتخصصة والنوعية، وأقصد بالبناء ليس البناء الاسمنتي أو شراء الأجهزة الغالية والمكلفة بل البناء المبني على تراث معرفي علمي الذي يحتاج لقرون، ونحن لا يوجد لدينا مدارس باسم العالم الفلاني ومجموعة من التلامذة العلماء، بل مجموعة من الاستشاريين مازالوا في أول السلم واذا وصل آخر السلم وظيفيا يتقاعد ويختفي وينشغل بعمل خاص ليعيش منه وبعضهم في وسط عمره المهني يكلف بعمل اداري ويختار طريقا مهنيا مختلفا.
اليوم اقترح للتعامل مع العلاج بالخارج بشكل واقعي ومنطقي وعادل أن تنشئ الدولة صندوقا لتمويل العلاج بالخارج وهذا الصندوق يقوم على فكرة شراء الخدمة من مزوديها في الخارج يكون له إدارة تنفيذية متفرغة وتحت اشراف لجان علمية متخصصة.. مثل التوجه لشراء الخدمة من الداخل وأن يمول هذا الصندوق بمبلغ سنوي اسهاما من الدولة والباقي من الأوقاف والهبات والتبرعات والوصايا وجمعيات المجتمع المدني.

المصدر : جريدة اليوم - 1 سبتمبر 2016م