جمال بنون - جريدة الحياة

عدد القراءات: 921

التحدي الكبير الذي ستواجهه رؤية السعودية 2030، هو كيف ستوازن بين توطين الوظائف في القطاع الخاص والعدد الهائل من الوافدين الذين يعملون في السعودية والمقدر عددهم بنحو 12 مليوناً، بما فيهم نحو مليوني عامل تحسبهم وزارة العمل أنهم وافدون وهم في الحقيقة من مواليد السعودية ولا يعرفون بلدانهم الأصلية ويعيشون منذ سنوات طويلة «أباً عن جد في» هذه البلاد، إلا أنهم لا يحملون الهوية السعودية.
التحدي الذي سيواجهه فريق عمل رؤية السعودية هو أنه كيف سيفرض على قطاعات خاصة وخدمية بتوطين الوظائف وهو من جهة أخرى يكافئ القطاع الخاص والشركات بمنح المزيد من التأشيرات، ويسمح بدخول وافدين جدد إلى سوق العمل، فهو إذا كان يضغط على القطاع الخاص لمنح فرص عمل للمواطنين، فهو أيضاً يغريهم بالمزيد من التأشيرات، هذا يعني أن التوطين هي «ضوء أخضر» للاستقدام.
هذا يعني في مقابل توظيف 300 ألف سعودي، وزارة العمل تغرق سوق العمل بمليون تأشيرة عمل، وهي بذلك تغرق السوق بمزيد من العمالة الرخيصة، وإذا ما استمرت الحال هكذا ستبقى سوق العمل محتكرة ومسيطراً عليها من العمالة الوافدة، ويبقى التوطين مشروع وهمي.
تعاملنا مع التوطين بطريقة النسب أو الفرض الإجباري سيحرجنا أمام الشركات الأجنبية التي قدمنا لها الدعوات للاستثمار، وهذه الشركات وبخاصة تلك اليابانية والصينية والأميركية والبريطانية والفرنسية، جاءت لتحقق أرباح عالية وعوائد مرتفعة وهي تتعامل مع دول عدة ولها فروع في بلدان مختلفة، لن تقبل أن تفرض عليها موظفين وعمال وتقول لها من توظف ومن تفصل، وتفرض عليها موظفين سعوديين بمرتبات أعلى بينما تستطيع أن تحصل على موظفين بأقل المرتبات إما بواسطة تأشيرات أو من السوق الداخلية.
أسلوب الفرض الإجباري سيفقد الميزة التنافسية ولن تبقى طويلاً في السوق السعودية وترحل، فالشركات الأجنبية إلى جانب الاستقرار السياسي والأمني، فهي تبحث عن وضوح وشفافية القانون والأنظمة، لا تعرف الوساطات في العمل أو التدخل في شؤونها، أو فرض تعليمات عليها، وربما لن تبقى طويلاًً وتكتفي بمكتب تمثيلي صغير من باب المجاملة، وتنقل أنشطتها إلى دول مجاورة بحثاً عن سوق مريحة للتعامل وتوفر لها عاملين وبيئة عمل من دون ضغوط أو شروط.
هذه المشكلة تواجهها الشركات والمؤسسات السعودية، وبخاصة الصغيرة والمتوسطة، التي تتعامل معها وزارة العمل بطريقة احتساب العمالة الموجودة في المؤسسة يقابلها خلق فرص عمل للسعوديين بنسب متفاوتة من 5 إلى 30 في المئة، بينما هناك أعمال لا يمكن أن تخلق فيه فرصة عمل واحدة للسعوديين، حينما تفرض هذا الأسلوب على مؤسسة ناشئة أو متوسطة فكيف عليه أن يحقق النسبة وفق متطلبات وزارة العمل.
في كثير من البلدان يعتبر تدخل الجهات الحكومية لفرض الموظفين عليها هو تدخل لا تقبله الأنظمة والقوانين، حتى لو كان من باب «ابن البلد» أولى بالوظيفة. إذا كانت وزارة العمل حريصة على «ابن البلد» ومشروع التوطين في القطاع الخاص، لما جعلت العامل الوافد هو الأرخص في السوق وسهل الحصول عليه، أما أن تفتح باب الاستقدام وتريد من القطاع الخاص أن يأخذ بضاعتها وهي عمالة غير مدربة وغير مؤهلة، على سبيل المثال قطاع الاتصالات تم توطينه بالكامل والتحق المزيد من الشباب وأسهمت الصناديق الحكومية في تمويل مشاريع الشباب في مجالات الاتصالات، وخلقت فرص عمل لنحو 6 آلاف شاب، إلا أنه في المقابل رأينا كيف أغلقت أكثر من 50 في المئة من الشركات وغادرت السوق، فماذا كانت النتيجة كسبنا التوطين وموظفين جدد، ولكن ليست لديهم خبرة تأهيل في الصيانة والتشغيل.
أعلم جيداً أن وزارة العمل لديها تحديات كبيرة لتحقيق الرؤية السعودية 2030 ومطلوب منها توفير فرص عمل لسعوديين في حدود 450 ألف فرصة عمل قبل حلول 2020، ولكن بالتأكيد ليس بالطريقة الحالية نسب وتناسب وفرض إجباري، أو بطريقة كم عامل عندك «حط 2 أو 3 سعوديين»، وهذا أيضاً يسيئ إلى المهني السعودي ووضعه أشبه باللاعب الاحتياط الذي يلعب في الدقائق المتبقية إما لتعديل النتيجة أو بدلاً من لاعب مصاب.
خلال العقود الماضية سخرت وزارة العمل نفسها في عمل واحد وهو سعودة القطاع الخاص، ومنذ 45 عاماً كان هو شاغلها الرئيس، لو أن هذا المشروع مجد ومحقق النتيجة لنجح منذ زمن، إلا انه على رغم التركيز والاهتمام نسب التوطين لا تزال ضعيفة ودون المستوى والأسباب كما ذكرت، لو أنها عملت خلال تلك العقود على تنظيم القطاع الخاص وتحسين بيئته ومراقبته لكان أحد أهم الأسواق الجاذبة للعاملين، وبخاصة الفئة المتعلمة والمؤهلة، إلا أنها للأسف انشغلت في السعودة وأغرقت السوق بعمالة رخيصة وغير متعلمة.
اقترح على الجهات المعنية أن تترك لوزارة العمل تنظيم السوق وتنظيفه، وترفع عن كاهلها مهمة منح فرص عمل للسعوديين أو تصدر تأشيرات للاستقدام، وتلغي الدعم عن كل البرامج التي تديرها مثل الموارد البشرية وغيرها، لانعدام جدواها بكل صراحة، كما أنها استنزاف لموارد الدولة، وأن تنحصر مهمتها الرئيسة في تنظيم سوق العمل ومراقبة العمال سواء سعوديين أم غير سعوديين، وتتعامل بالعدل والمساواة مع الجميع، ويترك لها تنقية السوق واختيار أجود الموظفين. أما موضوع السعودة والتأشيرات أعتقد في المرحلة المقبلة ليس من شأن وزارة العمل، وأتمنى إسنادها إلى جهة حكومية مثل وزارة الخارجية يتعامل معها مباشرة القطاع الخاص بدلاً من وزارة العمل، وبالتالي سترتاح وزارة العمل من الصداع لمراقبة السعودة أو تحدد كم عامل تحتاج إليه المنشأة وتقرره وفق أهواء الموظف أو «أنت وشطارتك».
السؤال بشكل واضح؛ هل تستطيع وزارة العمل بوضعها الحالي أن تتفاعل مع رؤية السعودية 2030 أم أنها تحتاج إلى أن تتخلص من عقدة الماضي وتنظر بروح المنافسة الاقتصادية في المستقبل؟ الوقت لا يزال مبكراً للنظر في أمر هذه الوزارة.

المصدر : جريدة الحياة - 19 سبتمبر 2016م