فهد الطياش - جريدة المدينة

عدد القراءات: 871

جددت وزارة الداخلية تحذيرها للمسافرين لأمريكا للتنبه للقوانين المحلية وتطوراتها وانعكاسها عليهم. والمبتعث السعودي هناك يقع عليه العبء الأكبر من التنبه لمستجدات القوانين. ومن أبرز تلك القوانين الأميركية الحق في تفتيش أجهزة الاتصال وإدانة من يحمل مقاطع لمناطق الصراع وتعزيز الإرهاب.
ولذا أصبح المبتعث بين خيارين أحلاهما صعب. إما خيار الرقابة الذاتية الرقمية المستمرة أو الخشية من الوقوع ضحية تفتيش رقمي أمني وعشوائي. فقد تحولت أجهزة الاتصالات الى أوعية تحمل إدانة رقمية ضد مالكها دون أن يعلم. ففي فترة مضت كان من الممارسات المسموح بها قيام جهات الضبط بتفتيش أجهزة الجوال والأجهزة اللوحية والكمبيوتر الشخصي. وكان معظم ما يتم البحث عنه تلك الجرائم الأخلاقية، ولكن الأمر تطور وتعقد الى حد كبير. وبات التحذير المستمر للمبتعثين أمراً ضرورياً. فهناك أصبح تفتيش تلك الأجهزة أمراً طبيعياً عندما يدخل المرء منطقة الاشتباه. وهي منطقة ضبابية لا يمكن التكهن بحدودها وأسبابها، وإنما تعتمد على تقدير رجل الأمن. والملحقية التعليمية السعودية حذرت من هذا الأمر كثيرا. فهناك قصص معروفة وقصص يتم تداولها على نطاق ضيق وجميعها تتعلق بقضايا الإرهاب وعلاقته بتلك الأجهزة الرقمية لدى من تقع عليه العين الأمنية.
ولعل أبسط تلك القصص التي يرويها بعض شباب العرب تلك التي تتعلق بإلغاء تأشيرة الدراسة الممنوحة للطالب وهذا أهون العقوبات. وتلك الصور والقصص المتداولة بين الشباب في قروبات الواتس اب وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون أدلة إدانة ضدة حاملها. وربما اصبحت القصص التي يتداولها البعض على شكل “سناب شات”تدخل ضمن دوائر التوجس الأمنية. فهي قصص تكشف وتفضح حاملها وان كانت على نطاق ضيق فقد تتوسع دائرة المشاهدة تحت طائلة الشك الأمني. وهذا الأمر لم يعد سهلا على المرء ان يعيش في توتر وخوف. ولذلك اخوتنا في مصر وجدوا الحل بقولهم “إمش عدل يحتار عدوك فيك”، وهي بالفعل وصفة سحرية للرقابة الذاتية المستمرة ويصعب على المرء تطبيقها في ظل هذا التدفق المعلوماتي.
السؤال الآن هل التحذير يكفي عند السفر فقط؟ أم أن الأمر يفترض أن يصبح ثقافة لدينا حتى في مدارسنا وعند تأهيل طلابنا للابتعاث. فالموضوع يصب في مصلحة الطالب قبل كل شيء. وحتى لا يأتي من تأخذه العزة بالإثم فيتصور ان الأمر تدخل في الحرية الشخصية ومصادرة لحق المعرفة والتعبير التي تكفلها معظم التشريعات والقوانين والدساتير، إلا أن أمر الإرهاب قد أخرج أسوأ أنواع الخوف التوجس الأمني. ولذا ما هو موقف الأهل من تفتيش الأجهزة مع الأبناء؟ إنه أمر صعب للغاية خاصة مع شباب يصعب إقناعهم بصواب فكرة الرقابة الذاتية رقميا.
الجانب المهم في موضوع التفتيش الرقمي الذي يتجاوز الحدود والمبني على الشك أصبح فضفاضا الى درجة واسعة وغير مقبولة مثل تفتيش الجوالات بين الأزواج وأفراد الأسرة. ولعل الشيخ صالح المغامسي أفضل من لمس هذا الموضوع بحكمة وروية، بل وجعله في مصاف التعدي على حرمة الأسرار في البيوت وأفتى بعدم جواز التفتيش. وأرسل رسائل واضحة للآباء والمعلمين ورجال الحسبة والأمن بعدم التعدي وتفتيش خصوصيات الناس التي سترها الله. ولكن رسالة الشيخ صالح لا تتعدى الحدود فتصل الى ما قد يتعرض له الطلاب من المبتعثين. وعليه الحذر ومراقبة الذات حتى لا تقع ضحية عملية اشتباه. ولقد رأيت بعض الحالات التي لا تسر ونسأل الله أن لا تقع لأحد.
الجميل والطريف في الموضوع أن الفتيات أصبحن يتفنن في اختيار صورة الشاشة اثناء عدم الاستعمال. فاختارت إحدى الظريفات صورة للشيخ صالح المغامسي ووضعت ملخصاً لفتوى تحريم تفتيش الجوال من أي إنسان. فماذا عسى طلابنا أن يختاروا رسائلهم على صور الجوال وشاشات الكمبيوتر؟ ربما قد تكون ربنا اجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون. ومع هذا يظل الجواب الأسلم “نظفها واتكل”.

المصدر : جريدة المدينة - 20 سبتمبر 2016م