محمد المسعودي - جريدة الرياض

عدد القراءات: 798

جاء عام 2012م وكانت سنة “الفرج” لتقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality) بعدما حصدت شقاء سنوات كفاحها مروراً بعشرات السنين العجاف عندما كان بينها وبين التموينات التجارية برزخ لايلتقيان؛ فظلت عاجزة عن تحقيق أي نجاح في هذا الجانب حتى توجت بـ 1٫46 مليار دولار وأكثر من رأس مالها، ليس هذا فحسب بل توالت عليها خلال المواسم الاقتصادية الأربعة الأخيرة “الخيرات” فخصصت فيه 100 مليون دولار لتموينها فقط!.
وما يبعث على التفاؤل تلك التقارير الصادرة من مؤسسة سايتا (Cita)، التي توقعت أن سنة 2016 ستكون سنة الصناعة لتقنية الواقع الافتراضي وبقوة، وفي عام 2019 توقعت أن يتضخم سوق هذه التقنية ليصل إلى 15٫9 مليار دولار أميركي مع توقع بالوصول إلى 200 مليار دولار بحلول 2020 بسبب نمو أسواق صناعة الأجهزة الرقمية والشبكات والبرمجيات الحوسبية وبرامج المحتوى.
لاشك أن تسارع العالم واستمرار تغيراته وتقلباته كان لهما الأثر على “تقنية الواقع الافتراضي” وسوق صناعتها، فعبر مراحل تاريخ التكنولوجيا نجد أن التوجه كان منصباً على قطاع الفيديو وأنواعه وألعابه فقط، بينما الآن نجد وبنظرة إيجابية أن تقنية الواقع الافتراضي استطاعت أن تجعل هذه الأرض المعمورة قرية صغيرة، وتعدته جمالاً ومستقبلاً إلى تسللها إلى الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات الجامعية لتندمج مع العملية التعليمية وترافقها بأدواتها وتطبيقاتها..
وهذا بلا أدنى شك مطلب تنموي مفصليّ يتواكب مع عصرنا المتسارع وأجياله الرقمية، ونقلة نوعية غيرت فيها صناعة التقنية تغذية تيار التنمية والمهنية، لتتدخل “تقنية الواقع الافتراضي” وتصبح بمثابة عصب مهم يزود القطاعات التعليمية بالبرامج والمحتويات والمناهج الدراسية إضافة إلى تدريب المعلمين بتخصيص برامج وأدوات تكنولوجية حديثة قائمة حققت ومعها تقنية الأبعاد الثلاثة (3D) نجاحاً باهراً في شتى جوانب الحياة المختلفة في الدول المنتجة والمتقدمة.
وفي نفس المنعطف كذلك، نجد أنه حتى المواد والمقررات الدراسية المعقدة كان لها النصيب الأكبر من تقنية الواقع الافتراضي، حيث جعل صُناع هذه التقنية تلك المواد الصعبة أكبر همهم، فعلوم الأحياء والتشريح والفلك والجغرافيا والجيولوجيا، والهندسة المعمارية بعد أن كانت مصدر رعب للطالب والمتلقي، ومحصورة بين الطباشير ولوحتها “السبورة”، وجدوا أنفسهم مباشرةً بين الحيوانات والبيئة تحيط بهم، وايقونات معمارية، ومبان ومجسمات هندسية حديثة وتاريخية.. يتفاعلون معها ويدركونها معرفة وتحليلاً من خلال تقنية ثلاثية أبعاد وهم في مقعدهم وفصلهم الدراسي!.
فعلاً إنها لحظات حاسمة في تاريخ البشر، وثورات تكنولوجية شاملة، ومشاهدات انتقالية تحولية؛ فهذا هو تقدم العالم والعلوم والتكنولوجيا الذي جعل من الخيال واقعاً يوما بعد يوم، لذلك لن نستغرب إذا (ثارَ) التعليم قريباً جداً جداً بالتقنية لتشكيل المستقبل دون معلمين ومناهج أو حتى مدرسة، فما يحتاجه الطالب هو جهاز آيباد ومن أي مكان يتعامل معه فقط!.
وباختصار أخير، نحن مقبلون على عالم مثالي تنافسيَ ثوريّ يتشارك فيه الجميع وينجذب إليه المعلم والمتعلم، ويتفاعلون بمشاركات بانورامية متميزة وواسعة لتثري الجانب الطموح في العملية التعليمية وتنتشل النفس البشرية من الاحباط.
ويبقى سؤال المقال يدور رحاه حول تطوير التعليم ورؤيته بمدى توظيفه لمثل هذه الثورات المعرفية والتقنية وإدخالها في تعليمنا بما يتناسب ورؤية وطننا وتحوله وطموحه.. ومتى سنكون قادرين على تتبع مثل هذه التطورات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تعليمنا ومدارسنا، أم أننا سنتوقف عند مراكز “مصادر التعلم” في نصف مدارسنا، ومعامل كمبيوتر في النصف الآخر، و”تعليم إلكتروني” بدائي يمارس في مدارس الـ (VIP) فقط؟!.

المصدر : جريدة الرياض - 4 أكتوبر 2016م