د. أمين ساعاتي - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 692

واجهت حكومة المملكة العربية السعودية طوال عمرها المديد الذي تجاوز 128 عاما كثيرا من الأزمات، ولكن بحكمة قيادتها خرجت المملكة من كل الأزمات وهي أكثر قوة وصلابة وشكيمة.

واليوم تواجه المملكة أزمة سياسية وقضائية حادة مع الولايات المتحدة تتمثل في إقرار الكونجرس الأمريكي قانون العدالة ضد الإرهاب “جاستا ” الذي يعطي الأمريكيين حق رفع قضايا ضد حكومات وأشخاص أجانب بحجة التضرر من أعمال إرهابية ارتكبت على الأراضي الأمريكية.

والواقع إن الحكومة السعودية كعادتها لم تنفعل وتبادر بالرد فورا على قانون جاستا، ولكن بعد أسبوع من صدور قانون جاستا صدر عن مجلس الوزراء السعودي الموقر توضيح ينص على أن اعتماد قانون جاستا في الولايات المتحدة يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم العلاقات الدولية فيه على مبدأ المساواة والحصانة السيادية، وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين، ومن شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبا في جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة. وأعرب مجلس الوزراء الموقر عن الأمل بأن تسود الحكمة وأن يتخذ الكونجرس الأمريكي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب نتيجة لسن قانون جاستا. من ناحيتها فإن منظمة التعاون الإسلامي اعتبرت قانون جاستا خرقا لمبدأ أساس في القانون الدولي منذ قرون والمختص بحصانة الدول ذات السيادة، وأكدت المنظمة في بيان صحافي أن ردود فعل المجتمع الدولي تجاه هذا القانون تؤيد ضرورة التمسك بما استقرت عليه دول العالم منذ مئات السنين، إنه لا يجوز لدولة ذات سيادة أن تفرض سلطتها القضائية على دول أخرى ذات سيادة استنادا إلى معايير تعسفية كوسيلة لممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية، وإلا اعتبر الأمر خرقا لاستقلال الدول وانتهاكا صريحا لمبادئ مستقرة في القانون الدولي وفي العلاقات بين الدول، وأكدت المنظمة أن هذا القانون الأحادي يفتح الباب أمام فوضى واسعة في العلاقات الدولية ويمس تنظيما قانونيا دوليا ثابتا ومستقرا، ويهز من هيبة النظام القانوني الدولي ويفتح المجال أمام جميع الدول لإصدار تشريعات مماثلة كرد فعل منتظر لحماية حقوقها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد حذر الفقيه الأمريكي جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي من القلق والجدل الذي نتج عن تجاوز الكونجرس للفيتو الرئاسي ضد قانون جاستا الذي خرق الحصانة السيادية للدول الأجنبية وسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومات والجهات الأجنبية بدعوى التضرر من أعمال إرهابية ارتكبت على الأراضي الأمريكية.

لا تحتاج المملكة العربية السعودية إلى التأكيد أنها دولة لها تاريخ طويل مع محاربة الإرهاب، ولم تكن قط دولة راعية للإرهاب حتى تنال عقابا غير محسوب من دولة عظمى صديقة بحجم الولايات المتحدة.

كان الأجدر بالولايات المتحدة أن تكافئ المملكة العربية السعودية على تجنيد كل طاقاتها لمحاربة الإرهاب لا سن قانون جاستا الذي يراد منه إضعاف قدرات المملكة في حربها الشرسة ضد الإرهاب.

لا يوجد شيء واحد لدى الإدارة الأمريكية يدين المملكة العربية السعودية، فالمملكة على ثقة ببراءتها من أي تهمة، وبالتالي لا يوجد أي شيء تخشاه المملكة، فهناك تحقيق وطني أمريكي أثبت براءتها من أي اتهامات. جميعنا يتذكر لقاء وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل -يرحمه الله- بالرئيس جورج بوش وتأكيده أن السعودية على استعداد للتعامل مع أي أدلة تدينها إن وجدت، ولكن القضاء الأمريكي قال كلمته آنذاك ولم يوجه أي تهمة ضد حكومة المملكة العربية السعودية.

إن في يد المملكة العربية السعودية كثيرا مما تستطيع أن تفعله للرد على قانون جاستا، ولكن المملكة تحرص دائما على دعم علاقات الصداقة بينها وبين الولايات المتحدة.

نقول إن في يد المملكة إذا أرادت أن تمضي قدما في المواجهة أن تتخذ إجراءات ترد بها على قانون جاستا وتوسع شقة الخلاف مع الولايات المتحدة، ولكن المملكة حريصة على إصلاح الخلل وإعادة العلاقات السعودية الأمريكية إلى ما كانت عليه منذ أن وضع أسسها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس الأمريكي روزفلت.

مثلا في يد المملكة العربية السعودية أن تتخذ قرارا بإلغاء اتفاق البترودولار، أي قيام المملكة بالإعلان عن فسخ الاتفاق وبيع بترولها بعملتها الوطنية أو بأي عملة أخرى.

وعندئذ سوف تضعف قيمة الدولار، بل نزعم أن كثيرا من الدول سوف تنحو نحو المملكة وتتخلص من ارتباطها بالدولار ويبدأ الدولار في التنازل عن مكانته العالمية كعملة رائدة في الاقتصاد الدولي.

هذه واحدة من الأوراق القوية التي تستطيع المملكة العربية السعودية أن تستخدمها ضد الولايات المتحدة ولديها كثير من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها المملكة إذا أرادت.

إن من شأن قانون جاستا أن يفتح الباب أمام حكومات أخرى لتمرير تشريعات مماثلة تسمح للمحاكم بمقاضاة الولايات المتحدة وتحميلها مسؤولية الأعمال الإرهابية التي قامت بها القوات الأمريكية أو قام بها أعوان لأمريكا في كثير من الدول. باختصار: إن العالم يتجه إلى الفوضى بتطبيق قانون جاستا، وإذا دخل العالم في الفوضى فإن أول الخاسرين هي الولايات المتحدة، لأنها ببساطة سوف تخسر مكانتها كدولة عظمى، وسوف تبدأ العد التنازلي بوتيرة سريعة، وهو ما لا نرجوه لدولة صديقة تربطها بنا علاقات صداقة وتعاون لفترة طويلة من الزمن.

المصدر : جريدة الاقتصادية - ٩ اكتوبر ٢٠١٦